أحمد خالد توفيق.. لماذا كل هذا الحب؟
أحمد مدحت
06 أبريل 2018
في الوقت اللي كُنت فيه طفل على أعتاب المراهقة، ميّال للعُزلة، قليل الصُحبة، وكثير التفكير في أشياء أكبر من مرحلتي العُمرية بكتير، هادي من الخارج لكني بعاني من فوران أفكار وأسئلة ملوش نهاية جوايا، ظهر في حياتي من خلال شخصية "رفعت إسماعيل"، بطل سلسلة "ما وراء الطبيعة"، عشان يبدأ في تهذيبي بهدوء، من خلال حكاياته المرعبة الشيقة، دخّلني عالمه بهدوء، وبدأ يعمل اللي فشل فيه معظم اللي حواليا في الوقت ده: يحاور أفكاري، بشكل جذّاب، ينصحني، من غير وعظ ولا نصايح جافة؛ بس من خلال الحكاية، يساعدني إني أبني لنفسي بناء محكم لتصوراتي الأخلاقية الأساسية اللي لسه مكملة معايا لغاية دلوقتي، مكملة معايا عشان صدقتها وحبيتها وفهمت هي ليه صح، مكملة معايا لأني اقتنعت ليه ده صح.
التعلُّق بـ د. أحمد خالد توفيق بيشتد جدًا مع اللي بدأ التعرُّف على كتاباته في مرحلة التكوين؛ هو ده اللي لما يقولك إنه "ربّاه" مبيكونش بيبالغ بأي شكل.. التربية مش اعتناء مادي فقط؛ فيه جانب روحي وأخلاقي كان دكتور أحمد ماهر جدًا في زرعه بداخل قرائه من الفئات العمرية الناشئة.. في الوقت اللي حواليك في العالم المادي فشلوا في التواصل معاك وجدانيًا وعقليًا، هو كان الناجح في ده دومًا، وقت ما حسيت إنك لوحدك تمامًا، محدش قادر يفهمك، كان هو موجود وبيقولك بصدق: "أنا هنا، وفاهمك، ومحترم أفكارك وأسئلتك وقلقك"؛ خاصة من خلال بطلنا العجوز طيب القلب "رفعت إسماعيل"، البطل اللي مفيهوش أي صفة من صفات البطولة الجذّابة؛ لأنه شخص معتل الصحة، منحرف المزاج، ميّال للوحدة، لكنه لا يفتقد للحكمة ولا الشجاعة ولا طيبة القلب ولا الإنسانية.
الموضوع مش مقتصر على علاقة قراء بكاتبهم المُفضَّل، أو كونه هو الكاتب الذي (جعل الشباب يقرأون) فقط، لا، الراجل ده ساهم في تربيتنا بشكل فعلي.. مفيش أي مبالغة لما أقول إن قيم أخلاقية ودروس زي: التسامُّح، وقبول الآخر، واحترام الضعيف، وامتلاك الشجاعة لو الحق معاك مهما كانت التبعات، وإن القوة مش بالبطش ولكن بامتلاكك لإرادة حقيقية غير قابلة للشرا أو الاستحواذ بأي مغريات، وإنك قد لا تتمتع بالشكل الجميل لكن جمالك الداخلي هو ما يستحق العناء لأجله؛ لأن الشياطين عادة ما تكون فاتنة الجمال الظاهري، وإن الحب شيء حقيقي غير أسطوري، قوة غير خاضعة لحسابات المنطق، لا تحتاج دومًا لتفسير، لكن يجب احترامها لأنها اللي بتدي طعم وقيمة للحياة في مجملها، وإن الصديق لا يكذب، ولا يخون، ولا يتخلى عن رفاقه في وقت الخطر..
كل ده ترسَّخ جوايا، وجوه غيري من قُرّاء سلسلة "ما وراء الطبيعة" بالذات خلال مراحل نُضجهم الإنساني.. إنتاج د. أحمد كُله مهم، وممتع، لكن يظل لـ "رفعت إسماعيل" مكانة مميزة لدى معظمنا.. مكنش بيكتبلنا ده في شكل نصايح وعظية "افعل" و"لا تفعل"؛ لكنه عمل كل ده من خلال الحكي، والتحاور، والإقناع.. شيء مهم جدًا إنك تلاقي في مراحل نُضجك وتعرُّفك على شر العالم اللي يقنعك إن اختيارك للطيبة ومحاولة التمسُّك بالمبادئ الإنسانية الأساسية مش ضعف، مش غباء، وإنك لما تحاول تفضل شخص طيب محترم نضيف ده في حد ذاته هدف ف الحياة تستحق تحارب عشانه، خصوصًا لما يكون قدرك خلاك تتولد في وقت بتتحطم فيه قيم بسيطة بديهية مفروض يتمتع بيها كل إنسان.
الحب شيء صعب الشرح والتفسير، وأنا ومحبي دكتور أحمد في غنى عن شرح محبتنا لراجل اختار إنه يعيش ويموت "محترم ونظيف اليد وطيب الخلق" في زمن تحكمه أخلاق الضباع؛ حيث أكل لحم أخيك الميت نوع من الذكاء الاستراتيجي اللي هتلاقي ألف خبير يبرره.. لكنها محاولة بسيطة لشرح "تعلُّقنا" بكاتب اختار دايمًا إنه يبقى في صفنا، سمعنا وتحاور معانا، وافقنا في أشياء واختلف معانا في أشياء، لكنه عمره ما كان ضدنا أبدًا.
يُقال إن أهم ما يقدمه المُحِب لحبيبه هو الاهتمام، وإحنا هنا أمام كاتب أفنى عمره بيقدملنا، كشباب، كل اهتمامه ووقته وصحته وكتاباته ونصائحه، وضع بين أيدينا كل هذا الحب، اللي مهما عملنا، صعب نردله جزء منه.
وبالطبع المحبة، وما يتصل بها، موضوع صعب الضباع تفهمه.. فاعذرونا.