قضية معروضة للبيع لأرخص سعر

بالعقل كده (26)

قضية معروضة للبيع لأرخص سعر

فتحى النادى

فتحى النادى

19 مايو 2016

نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.


مضى ما يقرب من أربعين عاما على توقيع وتفعيل اتفاقية كامب ديفيد بعد الزلزال الذى أحدثته مبادرة السادات بالذهاب إلى إسرائيل وخطابه الذى وجهه للعالم أجمع فى الكنيست وأمامه كل قادة إسرائيل وأكد فيه إنه لايسعى إلى سلام منفرد مع إسرائيل وأن السلام لن يعم المنطقة سوى باحترام قرارات الأمم المتحدة ورجوع إسرائيل إلى خطوط ماقبل 67 واستعادة الفلسطينين لأرضهم وتمكينهم من إنشاء دولتهم المستقلة.


أحسن السادات الظن بالعرب، ولعله بنى حساباته على أنهم سوف يدركون معنى ومغزى ماقام به وينضموا إليه لتكوين جبهة عربية موحدة تمثل قوة تقف وراء الحق العربى الفلسطينى وتحد من توحش إسرائيل ونهمها للتوسع استقواء بالقوى العظمى وعلى رأسها أمريكا بما لها من مصلحة مباشرة فى زرعها بالمنطقة كأداة للإبتزاز والتخويف والبلطجة حتى تنضوى دول المنطقة كلها تحت جناح تلك القوى وتطلب حمايتها وتدخلها لدى حليفتها لحل أى خلاف مدفوع الثمن مقدما إما بترولا يصدر أو سلاحا يشترى.


فعل السادات ذلك بعد أن انتصر فى معركة سوف تظل تفاصيلها خالدة تحتل فصلا كاملا فى سجل التاريخ وفتحا جديدا فى العلوم العسكرية لأنها قضت على أسطورة جيش إسرائيل الذى لايهزم، وخط بارليف الذى أشاعوا أنه يحتاج لقنبلة نووية لكى ينهار فإذا به ينهار بخرطوم مياه، وخطة خداع استراتيجى فاجأت مخابرات إسرائيل وأمريكا بتوقيت الحرب، وبأسلحة قديمة ولكن يمسك بها أصحاب عقول وعقيدة وإيمان وثقة بالله وتأييده ونصره لم يجاهد فى سبيله.. خاب ظن السادات فى تأييد ومساندة الحكام العرب باستثناء الملك فيصل يرحمه الله والسلطان قابوس وقطر .. تسابقت باقى الدول على اتهامه بالعمالة والخيانة وتفننوا فى محاولات عزل مصر وإذلالها بل وتجويعها ونقلوا مقر الجامعة العربية إلى تونس حتى لايرأسها مصرى، وأساءوا للمصريين الذين يعملون لديهم بكل الطرق ولولا احتياجهم إليهم لكانوا قد طردوهم عقابا لمصر ورئيسها.. قمة المأساة كانت فى انضمام القيادة الفلسطينية فى ذلك الوقت لحفلات الشتائم والبذاءات والتى وصلت إلى درجة الرقص وإطلاق أعيرة نارية فى الهواء ابتهاجا بمقتل السادات بعد أن سبقه فيصل.


كنت وقتها مديرا إقليميا لشركة عالمية كبرى صممت أكبر مشروع بالسعودية فى ذلك الوقت وقررت إنهاء عملى واستقلت مضحيا بالمنصب والمال لكى أعود وأسرتى إلى مصر بعد أن تزايدت هيستريا معاداة المصريين فى الشارع السعودى باعتبارهم حلفاء لليهود ، وتجنبا لتعرضنا لمواقف تنال من أمننا أو كرامتنا من جاهل أو موتور.


خاض السادات معركة الدبلوماسية وحده كما خاض المعركة العسكرية برجال كانوا قمة فى الكفاءة والجاهزية والوطينة والفداء، وصمد أمام كارتر وبيجين فى كامب ديفيد (لاحظ المعنى الذى يوحى به الإسم) واستطاع أن يتعيد سيناء التى أضاعها عبد الناصر بالكامل وبالشروط التى استطاع أن يحصل عليها تحت الظروف والضغوط التى كانت تحكم قراراته فى ذلك الوقت.


أقول ذلك وأتساءل وأنا أرى المبادرات من مصر والسعودية وقبلهما قطر والإمارات وقريبا كل دول الخليج يتسابقون فى إحياء عملية السلام وإعلان استعدادهم للتفاوض مع إسرائيل أو رعاية مفاوضاتها مع الفلسطينيين .. المبادارة العربية التى يتحدثون عنها ماتت موتا إكلينيكيا منذ اربعين سنة ضاعت حين كنا فى موقف أقوى .. والآن بعد أن أصابنا التفكك والإنقسام ماذا ننتظر؟ إسرائيل سوف تحقق حلمها بالتفاوض مباشرة مع العرب ، وسوف تستغل انقسامنا لكى تحقق مكاسب جديدة تحقق بها مطامعها وتقنن بها أوضاعها فى المنطقة .. وحتى إذا قررتم – ياعرب - التوقف عن التفاوض فى مراحل لاحقة فسوف يظهرونكم بأنكم السبب فى فشل المفاوضات وضياع حق الفلسطينيين.