خاطرة الجزء الـ 27

سورة الطور.. مرققة قلوب المشركين فما بال المسلمين!

كتب:

فى: أخبار رمضان

12:38 21 يونيو 2017

أخرج البخاري في تفسير سورة الطور عن جبير بن مطعم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون" كاد قلبي أن يطير.


وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسرى بدر ووقع الإسلام في قلبه يومئذ.


والحق أن آيات سورة الطور حين تتلى بخشوع وتدبر تأخذ الألباب والقلوب، ففيها من صور الإثبات للتوحيد والمحاجة ما يدمغ كل حجة، وفيها من وصف النعيم والعذاب ما تهون معه الحياة الدنيا.


ولقد ثبت بما لا يدع مجالا لريب أثر القرآن على النفوس إن هي استمعت بصدق وتجرد للحق والمعرفة الصحيحة.


من ذلك ما رواه ابن إسحاق في السيرة‏‏ أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا،‏‏ فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض:‏‏ لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا،‏‏ حتى إذا كانت الليلة الثانية ففعلوا مثلما فعلوا وقالوا مثلما قالوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة فقال بعضهم لبعض:‏‏ لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود:‏‏ فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا.


فإذا كان هذا هو أثر القرآن في غير المسلم، فما بال المسلم يقرأ ولا يتأثر؟!.. إن الأمر يحتاج لتدريب وتربية لترويض النفس أن تتأثر بكلام الله رب العالمين.


وأثر القرآن ليس معنويا نفسيا فقط بل له أثر مادي حسي، لكن شرط ذلك أن يتحقق القلب وتتحقق النفس بالإيمان، قال تعالى "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله".


وقال تعالى "قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا".


فكيف يصنع من لم يصل قلبه لذلك؟ وكيف نتأثر بالقرآن؟


الأمر كما قلت يحتاج لتدريب ومعايشة، وفي الحديث "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" (أخرجه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وضعفه الألباني).


والحديث وإن كان فيه ضعف فإن معناه قد يكون مقبولا، فالبكاء عند قراءة القرآن من سمات الصالحين أولي العلم العارفين.


بل البكاء عند ذكر الله تعالى هو منجاة ومظلة من ظل العرش يوم القيامة، ففي الحديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" (رواه الشيخان عن أبي هريرة).


فإذا لم يصل الإنسان إلى البكاء طوعا فلا مانع أن يحمل نفسه على البكاء بالتباكي ليرقق قلبه.


وهذا المعنى كمبدأ عام ليس مرفوضا بل مندوبا إليه، وهو طريقة من طرق التأثير على النفس، ومن له خبرة في علوم التنمية البشرية الحديثة يدرك هذا جيدا.


أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يتصبر يصبره الله".


والتصبر حمل النفس على الصبر بأن يعيش الإنسان سلوك الصابر بالجوارح حتى يذعن قلبه فيصير من أهل الصبر بالكلية.


وفي الحديث "إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم" (رواه الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن أبيد الدرداء وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع).


نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته فتقشعر منه جلودهم ثم تلين إلى ذكر الله.
 

اعلان