الباييس عن مصر: بلد مرضى السكر بدون "سكر"
"ظاهرة لم تتوقف عن إثارة إدهاشي في مقاهي القاهرة المزدحمة، التي لا أراها كثيرا، فعلى الرغم من أن كوب الشاي أو القهوة يأتيك عادة محلى بالسكر، كان بعض الزبائن يطلب من النادل إحضار وعاء سكر على الطاولة، ليضيفوا إلى الشاي معلقة تلو الأخرى ، حتى تتراكم أحيانا قطعة من السكر في الجزء السفلي من الكوب".
هكذا صّور المراسل السابق لجريدة "الباييس" الإسبانية في القاهرة، ريكارد جونثالث، حال مقاهي العاصمة المصرية قبل أزمة اختفاء السكر بالبلاد، والتي أثارت غضب الكثير من السكان خاصة بعد تضاعف سعر هذه السلعة الاستراتيجية.
وأضاف ريكارد "كنت أستغرب دائما هذه العادة وأحاول أن أفهمها، إلى أن فسر لي بعض الأشخاص الأمر ذات مرة، مشيرا إلى أنها محاولة لتحلية الحياة المريرة" التي يعيشها المصريون.
وأكد مراسل "الباييس"، الذي استيقظ العالم على خبر هروبه من مصر بعد إصداره كتابا انتقد فيه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنه في هذه الغابة التي لا نهاية لها من الاختناقات المرورية والاكتظاظ، خلال الأسابيع الأخيرة لم يجد المصريون حلا سوى النضال اليومي، للبقاء في هذه المدينة العملاقة التي يقطنها أكثر من 20 مليون شخص.
وأشار إلى أنه منذ أوائل أكتوبر عانت البلاد من نقص غير متوقع في السكر، على غرار سلع أخرى مثل الأرز أو حليب الأطفال، ففي محلات السوبر ماركت ظهرت الرفوف فارغة من المنتجات، في حين تضاعفت أسعار السلع ومنعت الدولة شراء أكثر من كيلو سكر للشخص الواحد، وهو ما اضطر المقاهي للحد من استهلاكها من السكر الأمر الذي أثار غضب الزبائن.
وبين جونثالث أنه ومع ذلك، نظر فئة كبيرة من المواطنين إلى هذه الأزمة بأنها "فرصة" بل و"نعمة" أيضا، وهو أمر ليس مستغرب؛ لأن مصر تعاني من مشكلة خطيرة هي "مرض السكري"، فأكثر من 16٪ من السكان مصابون بمرض السكري، لذلك يتم تصنيف مصر من أكثر دول العالم تضررا من هذا المرض.
ولمعرفة مدى خطورة الوضع في مصر - يقول المراسل الإسباني- نجد أنه في الولايات المتحدة، وهي بلد آخر معروف بإدمان السكريات لكنها أكثر ثراء، فقط 10.8٪ من المواطنين يعانون من السكري، رغم ارتفاع استهلاكهم للشوكولاتة (48% من السكان حتي 9 نوفمبر).
وتابع "لكن الإحصائيات توضح سوء نظام غذاء للمصريين المدمنين على الحلويات المصنعة التي تباع في الأكشاك بكل مكان بجانب رقائق البطاطس، والمشروبات الغازية ألخ... و كل ما هو غير صحي.
وأكد أن نقص السكر هو انعكاس لبعض المشاكل الاقتصادية الضخمة التي تمر بها البلاد، فحتى الأسبوع الماضي فرضت الحكومة قيودا على شركات الصرافة، مما أعاق استيراد كثير من المنتجات.
من ناحية أخرى يبدو أن الإنتاج المحلي من السكر، الذي يلبي 66٪ من احتياجات السوق، قد تلاشي، وتمت سيطرة الحكومة على السكر المدعم، كما ضبطت 2000 طن من السكر لدى إحدى شركات المواد الغذائية الأكثر شهرة، التي تنتج بعض الكعك الشهيرة يشير جونثالث.
واختتم المراسل تقريره بالقول: خلال الأيام الأخيرة رفعت الحكومة سعر السكر المدعوم من 5 إلى 7 جنيهات، وأيضا أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 50٪ فما فوق، والكهرباء، والتبغ... لذلك لم يعد للمصريين رغبة في تحلية حياتهم بملعقة تلو الأخرى من السكر.