عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام
تامر أبو عرب
12 أبريل 2018
(1)
يقول لورانس بيسلي، أحد الناجين من كارثة غرق السفينة "تيتانيك"، إن هناك العديد من مواقف الشجاعة ظهرت في هذه الليلة الصعبة، ولكن لا شيء أكثر شجاعة من الاستمرار في العزف حتى استقرت السفينة بهدوء في قاع البحر.
كان والاس هارتلي، قائد الفرقة الموسيقية العاملة على متن تيتانيك، يعرف أن استقرار السفينة في قاع المحيط – ومن ثم موتهم جميعا – مسألة وقت، لكنه أمر فرقته الموسيقية في مواصلة العزف حتى النهاية، البعض رأى فيما فعلته الفرق وقائدها انتحارًا بحكم أنه كان بوسعهم محاولة الحصول على قارب نجاة، وبحكم أن استمرارهم في عزف مقطوعات مبهجة لن يغير شيئا في واقع أن السفينة تغرق، والبعض رأى فيما فعلوه نبلًا ومروءة بإصرارهم على القيام بدورهم المكلفين به بينما لا تنبئ الأوضاع المحيطة بأي خير، وأنه ربما توقفت الفرقة عن العزف وحاول أفرادها النجاة وفشلوا وغرقوا ونُسيوا كمئات غيرهم، ووقتها لم تكن أسماؤهم لتخلد في سجل الشجعان وتذكر قصتهم حتى بعد مرور أكثر من قرن على الكارثة.
لا أعرف لماذا قفزت هذه القصة إلى رأسي وأنا أقرأ خبر حبس عادل صبري على ذمة التحقيقات بموجب اتهامات يعرف من وجهها إليه قبل غيره براءته منها، ربما لأن في القصتين كثير من أوجه التشابه.
كان يعرف عادل صبري وباقي كتيبة "مصر العربية" أن سفينة الصحافة تغرق لكنهم استمروا في مواصلة واجبهم، كانوا يعرفون أن ما يُقال وما يُكتب لن يغير في الواقع شيئا، لكنهم قالوا وكتبوا، كان بوسعهم البحث عن قارب نجاة بأن يعطوا الدنية في مهنتهم ويقبلوا بما قبل به غيرهم لينجوا لكنهم آمنوا بأن النجاة فيما يفعلوه وليس العكس، كانت تصلهم إشارات كثيرة بأن السكاكين تسن لهم وأن ذبحهم مسألة وقت لكنهم واجهوا بشجاعة وواصلوا بنبل.
ربما يعتبر البعض ما فعله عادل صبري تهورًا وانتحارًا، وربما يعتبره آخرون القرار الصحيح، لكن الأكيد أنه أكبر في عيني من أي وقت مضى.
(2)
في هذه الأيام التي أصبحت فيها ممارسة الصحافة جريمة لا يمكن المزايدة على أي شخص آثر السلامة والتزم الصمت، فالسجن أقرب إلى الجميع من حبل الوريد، وإن كان هو مستعد لتحمل ضريبة ما قال أو كتب، فمن خلفه أسرة وأبناء يحتاجون وجوده بجانبهم.
لكن من قرروا المواجهة وتحمل تبعات ذلك هم فوقنا درجة، ذلك لأن النضال من أجل حرية الكلمة فرض كفاية، يفعله البعض فيسقط عن الجميع، ويأثم الجميع إذا لم يفعله أحد.
عادل صبري واحد من هؤلاء الذين يدفعون الثمن نيابة عنا، وهو إلى جانب أسماء أخرى فعلوا مثلما فعل يستحقون أن تذكر أسماؤهم بفخر عندما يأتي وقت توثيق هذه المرحلة الكئيبة باعتبارهم جيوب المقاومة التي منعت أعداء حرية الصحافة من تحقيق نصر كامل ومجاني في معركتهم عليها.
لن أطلب الحرية لعادل صبري لأن الحرية لا تُطلب لحر، سأطلب منه فقط أن يسامحنا لأن أقصى ما يمكن أن نفعله له هو أن نكتب عنه.