قول أنت مصري

قول أنت مصري

ليلى حلاوة

ليلى حلاوة

19 أغسطس 2015

لأول مرة في غربتي تهان مصريتي.. وقد تسبب ذلك في كآبة لا حدَّ لها في قلبي.. فقد كانت تقول أمامي لصديقاتها إنها لم تستطع الذهاب إلى ذاك الشاطئ فسألوها عن السبب فردت: أنت عارفة طبعا "أنه كله مصريين"، ثم انتبهت واستدركت وجودي فجأة، وهي شخصية طيبة جدا بالمناسبة، اعتذرت لي مأخوذة بصعوبة الموقف وهي التي تعرفت علي حديثا، قالت: "طبعا مقصدش حاجة هو بس فيه شباب عزاب كتير وانتي عارفة".


لأول مرة ينتابني هذا الشعور بالضيق الشديد، فسكت ولم أنطق، ومازالت أفكر هل السبب يكمن في وجود العزاب فقط أم في وجود المصريين على تنوعهم.. فقد أظهر تنوع الجنسيات في هذا المكان.. عورات كثيرة نتصف بها جميعا ولا يستثنى منا أحد.. ولا تستطيع حينما يقولون مثل هذه الجملة سوى أن تنظر أرضا وكفى.

الجميل هنا في قطر، أنك لا تجد أبدا ولا ترى بعينيك رجلا واحدا يقوم بمضايقة امرأة، فبعد عامين بالتمام والكمال أقسم أنني لم أر شابا غير خلوق أو متعديا حدوده أو ناطقا بكلام بذيء.

ولكن دعني أصدمك قليلا وأقول لك، أن المرات الوحيدة التي رأيت فيها موقفا مشابها مما نراه يوميا وفي كل مكان في مصر من تحرش لفظي وتعدي بالنظرات، ولن نقول تعدي باللمس لأنه "من خاف اختشى" كما يقولون في المثل، وهم هنا يخافون جدا لأن القانون واضح وصريح للجميع. تلك المرات القليلة كانت لشباب مصري للأسف، ورأيتهم كالتالي:

أحد الأماكن التي يرتادها الناس يوم الجمعة وتتميز بالازدحام وتنوع الجنسيات، كانت السيدة الجميلة ذات الذراعين المكشوفتين تقف ليلتقط لها زوجها صورة مع ابنها، وفجأة ظهر شابان يبتسمان ابتسامة سمجة، واقفان بشكل غريب ويقولون بصوت عالي" طيب قرب شوية علشان الصورة تطلع حلوة"، وغيرها من الكلام الذي يتضح للعيان على الفور أنه كلام من أجل المعاكسة.

بالطبع لم تفهم السيدة شيئا لأنها أجنبية، ولم أجد من نفسي سوى الوقوف متعمدة  أمام هذين الشابين موجهة نظرة حادة إليهما تعني "لم نفسك ياصعلوك منك له".

هل يعقل أن تكون المرة الوحيدة التي أتذكر فيها فعل "المعاكسة" في بلد نظيف أخلاقيا ومكانيا، تكون من مصريين.

إذن فقد كان لي الحق أن أصمت وأسكت ولا أنطق حينما قالت تلك الصديقة الجديدة، كلمتها العادية التي قالتها باسترسال شديد وتم التصديق عليها من قبل الحاضرين كأنه شيء مسلم به.

الحقيقة المرة الثانية التي واجهتها الأيام الفائتة في الكيفية التي يحترم بها الرجل المصري المرأة بشكل عام أو لنقل المصرية بشكل خاص، حينما ذهبت إلى مجمع السفارات لأقضي بعض الحوائج الورقية التي لا غنى عنها.

ركبنا الباص الذي يقلنا من الخارج إلى الداخل حيث السفارة التي تريد، وما كان من سائق الباص إلا أن حرص على جلوس جميع السيدات في المقدمة والرجال في الخلف عدا العائلات كما فهمت، حينما سأل رجل جالس بجوار امرأة "family?" فرد بنعم فتركه جالسا كما هو، أما الرجلين خلفيهما فقد طلب منهما السائق أن ينتقلا إلى الخلف حتى تجلس السيدات أولا ولا يدخلن إلى الوراء، فحاول المصري الجالس والحاجز مكانه جوار الشباك ألا ينتقل مظهرا علامات التأفف الشديد، فأصر السائق، فانتقل وجلست السيدة مكانه، وكانت سعادتي بالانتصار.

نسيت أنه قبل الوصول إلى مرحلة الباص وعند الدخول من الأمام حيث يتم التفتيش وتقديم إثبات الهوية، أصر رجل الأمن على أن أجلس بالداخل وارتاح حتى يصل الباص لأنني كنت أحمل رضيعتي معي، وعلى باب الباص أصر الجميع أن أركب أولا بعد أن أشار لهم السائق الواقف على الباب بأن يفسحوا لي طريقا.

نأتي لدور الرجل المصري في هذا الموضوع، وقد ظهر متجليا في رحلة العودة التي لا تستغرق خمس دقائق بالمناسبة. كما أنه كل خمس دقائق أيضا يمر باص يحمل جميع الخارجين من السفارات إلى باب الخروج.

عندما لمحنا الباص واقفا أمام السفارة، خرج كل من قضى مصلحته ليتجه خارجا، كانت المفارقة أنني السيدة الوحيدة التي تقف خلف ما لا يقل عن عشرة رجال، ولكنهم أصروا جميعا على الركوب أولا ناظرين أمامهم متجاهلين أنه يمكن عمل فعل رجولي بأن يفسحوا الطريق لسيدة تحمل طفلة تقف في حر شديد، الحقيقة أنني ذهلت تماما وتعجبت أكثر، هل يجب أن يطلب منهم رجل آخر أن يسترجلوا كي يفسحوا مكانا لامرأة؟!

جلست أتعجب.. ما الذي أودى بنا كمصريين إلى هذه الهوة العميقة من انعدام الذوق العام. وما هو حجم التشوه الذي طال نفوسنا وأخلاقياتنا وطبائعنا. وكيف يمكن ألا ننقل هذا التشوه إلى نفوس أبنائنا.. حيث يجب أن نزرع فيهم معاني الرجولة الحقة وليست تلك التي تجعل منه يدا تضرب الضعيف ولو كانت امرأة، وتتوارى خلفه حينما يقف في وجه الأقوى.