
مواقف أبو الفتوح

محمد إبراهيم
02 فبراير 2018
الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ورئيس حزب مصر القوية والعضو البارز السابق في جماعة الإخوان المسلمين.
يحظى الرجل بالكثير من الجدل حوله، وبعدما كان قِبلة لكثير من شباب التيار الديني والمدني في مصر كمرشح رئاسي قد يلتف حوله الجميع في انتخابات الرئاسة 2012، بدأ عقد الناس من حوله يفرط رويدا رويدا إثر حملات تشويه طالته من جانب بعض الإسلاميين – الإخوان المسلمين والسلفيين – وبعض القوى المدنية وكذلك الفلول.
تلك الحملة التي جعلت بعض المتدينين ينفضون من حوله كونه "علماني" وبعض المنتمين للتيار المدني ينفضون من حوله كونه "إسلامي متطرف"!
شاهدت بعيني كثيرا من أشد المؤيدين لأبوالفتوح ينقلبون عليه دون أن يصدر من الرجل أي شيء جديد، بحجة أنهم اكتشفوا حقيقته التي كانت غائبة عنهم!
من الطبيعي أن أختلف مع قرارات الآخرين، فلم نُخلق نُسخا من بعضنا البعض، لذا فاختلافي الشخصي مع بعض مواقف أبوالفتوح – كثرت أو قلت – لم تنفِ بعض النقاط المفصليَّة في تعاملي مع الرجل.
أبو الفتوح في جماعة الإخوان
عندما تكونت شخصية أبو الفتوح وتجاوز شطط الصغر كان من الواضح أنه يقود تيارا مختلفا في داخل الجماعة، تيار قال عنه سلفيو حزب النور لاحقا أنهم "الإسلاميون العلمانيون" في نقدهم لتفريطهم في أصول الدين حسب وصفهم.
وبالرغم من حصول أبوالفتوح نظريا على تأييد التيار السلفي في انتخابات 2012 إلا أن أكثر منظريهم هاجموه بضراوة مما فرَّغ أي تأييد من فحواه، وهو الهجوم الذي تشارك فيه معهم قيادات متنوعة من الإخوان المسلمين.
داخل الجماعة وقبل الثورة كانت هناك حالة فوران تُعبر عن ذلك الحراك الذي يلهمه أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وغيرهم، وهو ما أفرز لاحقا شباب أكثر مقدرة على التواصل مع الآخرين والذين انتشروا بعد الثورة في حقول العمل السياسي بقواعد مختلفة عن تلك القواعد الصلدة داخل الجماعة.
أما الموقف الذي استوقفني وهو المعبر عن كل تلك التفاصيل، موقف أبو الفتوح من حادثة محاولة اغتيال "نجيب محفوظ" وزيارته الشهيرة له وقال وقتها: (بأي حق يقوم هؤلاء بالحكم على الأشخاص والاعتداء عليهم، فحتى لو كان يدعو نجيب محفوظ للكفر في رواياته فلا يمتلك أي مواطن الحق في استخدام العنف تجاه أي شخص مهما فعل).
وهُوجم وقتها وبعدها أبوالفتوح بشدة، بل كانت تلك الزيارة واحدة من النقاط الأساسية التي يتناولها شيوخ التيارات الإسلامية الأكثر تشددا في مجمل هجومهم على الرجل.
وما استوقفني أكثر هو استخدام أبوالفتوح لكلمة "مواطن" وهو تركيز هام ومُبكر على فكرة المواطنة خاصة أنه يصدر من قيادي في جماعة إسلامية، ولم يستخدم التعبيرات الدينية كما هو المعتاد في تلك الحالات، بل وضع كل شخص في مكانه، فالمواطن مواطن يحمل أفكاره التي يحمل دون ترهيبا من أحد، سواء كان هذا المواطن أديبا يكتب روايات أو متدينا يرى في تلك الروايات كفرا بواح !
أبو الفتوح بعد خروجه من الإخوان
من يخرج أو يُخرَج من الإخوان يُلفظ منهم، كل التجارب تقول ذلك، لكن أيضا أصبح من المعتاد أن من يخرج منهم يُهاجمهم بكل ضراوة ويرميهم بكل نقيصة وكأنه لم يكن أحدهم بالأمس القريب! وكأن جلده قد تغيَّر فجأة وبشكل كامل عندما اختلف معهم "تنظيميا" كأغلب الحالات المتداولة في الإعلام.
الخرباوي لم يكن أولهم ولا مختار نوح، لكن الدكتور محمد حبيب كان مثالا صارخا ذا تفاصيل قريبة الشبه من أبو الفتوح، وكليهما أُخرَّج من مكتب الإرشاد وهُمِّش حتى ابتعد.
الدكتور حبيب انقلب عليهم – كما انقلبوا عليه - وكأنه لم يقضِ كامل عمره فيهم، لكن أبو الفتوح أخذ مسارا أكثر هدوءً منه.
أوضح أبوالفتوح اختلافاته مع جماعة الإخوان أو مع قيادتها ومكتب إرشادها وقتها، وهاجم تفاصيل إدارتهم للملفات السياسية، ونصح الدكتور مرسي إبان توليه الرئاسة، ولم يردّ على المهاترات التي جعلته في مرمى أسهم هجومهم.
تعامل أبوالفتوح مع الإخوان كجماعة وكأشخاص كشخص نبيل، لم تجعله الخصومة يميل لفجرٍ ولا الحنين لماضيه جعله متهاونا في رأيه.
لذا رفض أبوالفتوح حل مجلس الشعب قُبيل جولة الإعادة بين مرسي وشفيق ووصف الأمر بأنه "انقلاب عسكري"، وهاجم إدارة مرسي للملفات السياسية رافضا في نفس الوقت أي تدخل للجيش، وفي النصف الأول من شهر يوليو وصف تحرك 3 يوليو بأنه انقلاب، وهو وصف مُبكر مقارنة بمواقف الشخصيات والقوى السياسية الأخرى.
وهذا ما جعلني أرى فيه رجلا يستطيع أن يفصل بين رأيه السياسي وأهواءه الشخصية.
لم يتهاون أبو الفتوح مع فكرة رجوع الحكم للجيش، لا تسعني الذاكرة لأي محاولة من أبو الفتوح للتقرب من السلطة – سواء إبان حكم الإخوان أو بعد رحيلهم – ولم يسعَ ليكون جزءا من أفلام الانتخابات الرئاسية الأخيرة أو الحالية أو المشاركة في عروض النظام التي يُحاول أن يجمل صورته بها كما شارك غيره.
اختلفت مع أبو الفتوح كثيرا في مواقف سياسية أخذها ورفضتها أو العكس، واعتبرت بعض مواقفه هزيلة وبها من الخذلان ما بها، وكثيرا ما كان تقديرنا لبعض الأمور مختلف، لكن لا يسعني إلا أن أرى الرجل واحدا من أفضل الشخصيات السياسية في جيله.