
ظروف العبودية

محمد إبراهيم
15 مارس 2018
خاض العالم ملاحم في مناهضة العبودية من أجل إنهائها, سواء بالإخاء بين الناس والمساواة أو بالترغيب في تحرير العبيد سواء دينيا أو أخلاقيا.
وفي 2 ديسمبر 1949 صدرت عن الأمم المتحدة اتفاقية مناهضة للإتجار بالبشر كتتويج لنضال الشعوب مئات السنين, وبالرغم من تجريم الإتجار بالبشر بشكل كامل فبعض المارسات المُصنفة بأنها "ظروف عبودية" مازالت متواجدة في العالم بشكل أو بآخر, ومن ضمنها استغلال الاحتياج الاقتصادي في تسخير العمال في أعمال شاقة برواتب هزيلة, واستغلال الأطفال وإجبارهم على العمل بما لا يتناسب مع أعمارهم, واستغلال النساء وإجبارهن على البغاء, وكذلك أنواع أخرى من العبودية المادية والمعنوية.
ومن تلك الظروف غياب معايير حقوق الإنسان, بما يؤدي في النهاية لسلب الإنسان حريته ووضعه تحت ظروف قسرية لا يستطيع التعبير فيها عن نفسه, ويُصبح مُعرضا لتقييد حريته بشكل مادي – أي حبسه أو خطفه – في أي وقت, وهو ما يجعله مُرغما على القيام بأفعال مُعينة بما لا يُخالف فيها النظام الحاكم, أو دفْع ثمنا غاليا جراء مقاومته لذلك, وكلتا الحالتين تُعتبران تقييدا للحرية بما قد يُسمى "ظروف عبودية".
من مظاهر العبودية قديما على سبيل المثال التفريق بين الأم وأطفالها بما يتناسب مع مصلحة "السيَّد" وبما يخالف كل أعراف أخلاقية وإنسانية, فكانت تُؤخذ الأم للعمل في مزارع بعيدة بعدما يشتريها رجلٌ من مثل جنسها, وتترك وراءها أطفالا لم يبلغوا الحُلم ليشتريهم آخر يسكن بلادا غير بلادها, لتنقطع الصلات الإنسانية وتتقطع الأفئدة. وهو وإن كانت حدته قد قلت, قريب الشبه بتغييب أم لأربع أطفال في السجون لأسباب سياسية تحت مُسمى الحبس الاحتياطي وحرمان أطفالها منها لشهور طويلة وهم في أشد الاحتياج إليها.
يقول مالكوم إكس: "لا يمكنك فصل السلام عن الحريَّة لأنه لا يمكن للمرء أن يعيش في سلام بدون حريته!".
فكيف إذن يأتي أحدهم ليُخيِّرك بين أمنك وسلامك وبين حريتك؟! فكيف يعيش المرء في سلامٍ بينما حريته مسلوبة أو قراره ليس بيده؟! وهي أزمة متدرجة, فعلى صعيد الدول تعيش بعضها في سلامٍ بيِّني بارد, بينما قرارها السياسي لا يحظى بالسيادة الكاملة طبقا لضغوط اقتصادية وعسكرية من دولٍ كُبرى تفرض على الأنظمة الحاكمة اتِّباعها والإذعان لها بالترهيب من إمكانية نزع عرش الحكم من تحتها, وبالترغيب في أن يحظى الرئيس أو الملك على ابتسامة من رئيس تلك الدولة الكُبرى أو ملكها تعبيرا عن تقاربٍ بينهما.
والأمثلة كثيرة, وليس أكثرها قُبحا انصياع بشار الأسد لبوتين روسيا بشكل كامل وسيره وراءه كتابع بلا أي محاولة ادعاء غير ذلك, أو تطويع سياسة المملكة السعودية حتى لا تتعارض مع سياسة أمريكا الخارجية, أو التنازل عن بعض أراضي الدولة طواعيَّة لدول أخرى.
تلك الطريقة في التعامل تُعبر بشكل ما عن مظهر من مظاهر العبودية التي تجعل تلك الدولة بكل سياساتها تابعة لدولة أخرى بغرض تثبيت أركان حكمها والتغافل عن ملفات حقوق الإنسان.
وذلك الانصياع ينعكس على مؤسسات الدولة وثقافتها ونواديها والحياة العامة بها, وأيضا ينعكس على تدهور ملفات حقوق الإنسان بما يتدرج بتلك المظاهر المرتبطة بعبودية الدول إلى عبودية جديدة وقاتمة يتعرض لها الفرد في تلك الدول, ويخلق ظروفا للعبودية في العالم بشكل عام وفي تلك الدول بشكل خاص.
وبالرغم من كل ذلك تتباهى الدولة مسلوبة القرار بصنعها للسلام, ويتباهى مؤيدوها بالسلام الذي يعيشون فيه !
ذلك السلام مُجرد كذبة, فكيف يعيش أسدٌ في قفصٍ مطمئن البال إلا إن أقنع نفسه أنه مُجرد فردُ من نعاج تعيشُ في سلامٍ ووراءها عصا سيدها الغليظة تراقب رعيها ومشيتها؟! بينما من يُحاول أن يخرج من حيز العبودية الضيق يُحاصَر بالإتهامات أو بالتضييق والمنع أو الضربات العسكرية ! حتى وإن كانت بعض تلك الدول – أو كلها – لا تحترم أيضا حقوق مواطنيها, لكن توصيفها بالشر والشيطان الأوحد هو توصيف غير دقيق ومعيب باستثنائه شياطين أخرى أكثر إجراما وعنفا.
أما على مستوى الأفراد, فكل من قال "لا" قد يكون مصيره تقييد حريته المادية أيضا وراء القضبان تحت مسميَّات مُختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر (محاولة قلب نظام الحكم – الإنضمام لجماعة إرهابية – نشر الشائعات بما يهدد السلم العام), وبالطبع كل ما قد يتعارض مع الحاكم فهو إرهاب ويهدد السلم العام !
فهل من المُستطاع أن يُفصح أحد عن معارضته للحاكم في قطر, السعودية, الإمارات, مصر .. وغيرهم من دولنا العربية دون أن يكون تحت خطر تقييد حريته ؟! وأليس ذلك الأمر يُعد من ظروف العبودية التي لم يتجاوزها العالم بعد؟!
"ليس صحيحا أن نُصنف ثورة الزنوج كصراع عرقي للسود ضد البيض, أو أنه مشكلة أمريكية بحتة. إن ما نراه اليوم هو تمرد عالمي من المظلومين ضد الظالمين ومن المستغَلين ضد المستغِلين".
مالكوم إكس