الانتخابات المسلحة

الانتخابات المسلحة

محمد إبراهيم

محمد إبراهيم

24 مارس 2018

 

الانتخابات هي قمة الفعل الديمقراطي وقاعدته، فالديمقراطيات ترتكز على الانتخابات لاختيار ممثلي الشعب في إدارة أمور البلاد، وفي نفس الوقت هؤلاء المنتخبون يُهيِّئون البلاد لإقامة انتخابات نزيهة جديدة تُعبر عن هؤلاء الذين انتخبوهم وتعطيهم مزيدا من الفرص لاختيار من يمثلوهم.

 

إذن فما الغاية التي قد تدفع نظاما ما إلى إجراء انتخابات مُعدَّة مُسبقا، أو معروفة النتائج يقينا، أو مُزوَّرة، أو يُدفع فيها بالسلاح إلى رقاب من قد يقررون تَصَدُّر المشهد ليكونوا منافسين لمُرشح النظام أو رقاب هؤلاء الذين قد يدعمون إسقاط مُرشح بعينه؟

 

بيد أن هناك أنظمة حكم عدة لم تكترث البتة لفكرة الانتخابات، لكن بعض الأنظمة المُشابهة لم تستطع أن تُدير ظهرها بالكامل للصناديق الانتخابية، وسعت أن ترسم الابتسامة بانتخابات صورية تجري في الغالب تحت تهديد السلاح كمسرحية هزلية مُعتادة ومُعادة.

 

موسوليني على سبيل المثال أقام الانتخابات في عامي 1929 و1934! وفي الانتخابات التي سبقت انتخابات 1929 طالب الزعيم الاشتراكي (جياكومي ماتيوتي) بإلغاء الانتخابات بسبب المخالفات الجسيمة، فتم اغتياله! وأشارت أصابع الاتهام لاحقا إلى أن موسوليني الذي يدعم إجراء تلك الانتخابات كان من الضليعين في اغتيال ماتيوتي! كان ببساطة يُريد إجراء الانتخابات وقد يقتل من يُشكك فيها.

 

وفي 1929 كانت الانتخابات عبارة عن ورقتين إحداهما تحمل الموافقة على الحزب الفاشي "نعم" والأخرى ورقة بيضاء مكتوب فيها "لا". والمثير في الأمر أن الناخب يُسلم الورقتين في مكانين منفصلين، بمعنى أن ليس هناك سريَّة في عملية الإدلاء بالصوت. فماذا يفعل الناخب إذا كان زعيمٌ مثل ماتيوتي قد تم اغتياله ببساطة؟

 

بالتأكيد كانت النتيجة متوقعة بموافقة 98.43% من الناخبين في 1929 و99.84% في 1934.

 

ومثلا في ليبيريا، فاز تشارلز دي بي كينج بانتخابات 1927 بعد حصوله على 243 ألف صوت مؤيد له، وهو الرقم الذي يتجاوز عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت بقرابة الخمسة عشر ضعف!

 

وبعض العمليات الانتخابية كان يُعاقَب الممتنعون عن الإدلاء بأصواتهم ويُقاضوَّن كأعداء للشعب، على الرغم أن تلك الانتخابات كانت لا تشمل إلا اختيارا واحدا وهو "نعم" بطبيعة الحال، وبعضها كان خيار "لا" يُعرِّض صاحبه للملاحقات القضائية أيضا!

 

حدث ذلك الأمر في انتخابات استونيا ولاتفيا وليتوانيا في عام 1940.

 

في تركيا وبسبب فشل الحزب الشعبي الجمهوري في الانتخابات مع تصاعد حزب أربكان ومشاركة حزب الحركة الملية القومي غير المعادي للإسلاميين، دعم الجيش الصراع العنيف بين اليسار واليمين وهو التصاعد المدعوم من أمريكا والسوفييت وهو الأمر الشائع وقتها كحرب بالوكالة بين الطرفين، إلى أن حدث الانقلاب الدموي عام 1980 وهو واحد من أكثر الانقلابات دمويَّة في تاريخ تركيا، ثم بعدها ماذا حدث؟

 

طبعا. أقاموا انتخابات! ترشح فيها كنعان إيفيرين رئيس مجلس الأمن التركي والمُسيِّر لأمور البلاد إثر الانقلاب. وانتهى الحال به فائزا في الانتخابات عام 1982 بنسبة 90%.

 

أما جمال عبد الناصر فتولى رئاسة مصر بانتخابات – استفتاء – عام 56 اكتسحه بلا منافس، ثم قرر إقامة استفتاء آخر عام 1965 ليكتسحه أيضا بلا منافسة.

 

وفي سوريا وبعد وفاة حافظ الأسد رئيس البلاد تم تعديل الدستور ليُسمح بانتخاب بشار ابنه كوريث له، لكنهم أيضا أقاموا انتخابات لتوريثه! وبالطبع أسفرت عن اكتساحه بنسبة 99.7% لكن اللافت بالإضافة لهذا الاكتساح أن اللجنة المُخوَّل لها إدارة الانتخابات أعلنت أن 94.6% ممن يحق لهم التصويت شاركوا في الإدلاء بأصواتهم!

 

وهو الأمر الذي تكرر في 2007 بنسبة مشاركة 95.9% حصل فيها بشار على نسبة 97.62% في عرس ديمقراطي كان منافسه فيه هي الأصوات الباطلة بنسبة 2.21%.

 

وفي كل تلك الانتخابات كان النظام يحث الناس على المشاركة، ولم يكن مسموحا لأحدهم أن يخرج عن الإطار المرسوم والمُعَّد مُسبقا للانتخابات، وكانت النتيجة معروفة بلا شك ولا توجد منافسة أو شبه منافسة، لدرجة أن من يخرج عن النص في الانتخابات قد يتعرض للزج به في السجن أو الاغتيال!

 

إذن لماذا يسعون لإقامة تلك الانتخابات المُسلّحة مادام هذا هو الحال؟

 

الغوص في نفوس الحكام ليس بالأمر السهل، فالتعقيدات كثيرة، سواء على مستوى الفرد أو النظام الحاكم وشبكة المصالح التي تحميه. لكن من الواضح أن الانتخابات قد تكون فترة مهمة للحاكم كي يُعطي فرصة لأجنحة النظام للتعبير العلني عن التأييد غير المحدود، ويُعطي فيها النظام فرصة للناس لتُعبر بهيستريا عن دعمهم للنظام، حتى وإن كان هذا الدعم تحت تهديد السلاح!