المهزوم يبقى وحيدًا !
كريم الشاذلى
06 أبريل 2017قالوا..
وراء كل عظيم امرأة.. دفعت به للقمة.. وأمام كل ناجح هدف وإرادة .. سحباه إلى مراتب المجد.. وخلف كل فاشل قد تكون امرأة، أو رجل، أو فكرة مُهلكة حطمت مقاومته، وجعلته والبؤس سواء.
وحوادث الأيام كفتنا السؤال عمن يجاور الفائز، إنهم كثر وقتذاك، غير أن المهزوم يمضي دائماً وحده، فلا صاحب هنا ولا امرأة!
المهزوم لا يتبعه سوى ظله المنكسر، وغير قليل من الشماتة، أو الشفقة، أو اللعنات..
المهزوم لا يتبعه سوى ظله المنكسر، وغير قليل من الشماتة، أو الشفقة، أو اللعنات.
ساعة النصر مباركة، دفئها يكون كبيراً، حتى وإن كان صناعياً، وأيام الهزيمة باردة مهما حاول البعض تدفئتها بالمواساة.
عندما تدق الهزيمة باب حياتك لن يعنيك كثيراً من كان خلفك أو أمامك، ستنتبه فقط لمن قرروا أن يكونوا بجانبك، يحاولون استنهاض روحك الضائعة، وشغفك التائه.
ولن يكفيك عزاء الدنيا لو كنت وحدك حينها، لملمة شتات روحك ستكون مهمتك الذاتية، وللأسف قليلون هم من يستطيعون النهوض وقتذاك.. قليلون من يتمسكون بأهداب الأمل ويحطمون كأس الفشل قبل أن يجرعوا رشفته الأخيرة.
نحن في عالم لا يحترم المهزومين، الكل هنا ينادي بأن نهرب منهم، تجار التنمية البشرية سينبهونك أن للمنكسر طاقة سلبية، لا تركن إليها.. وأهل المال سيخبرونك أن "من جاور السعيد يسعد" وبطاقات الائتمان والأقساط المجدولة ستجبرك ألا تقف قليلاً أو كثيراً لتربت على كتف أحدهم أو تمد له يد العون..
فمن للمهزوم وقتذاك .. من لك حينما تدير الدنيا ظهرها عنك لساعة أو أكثر..؟!
لا أحد .. إلاك!
أنت وحدك المنوط بأمرك، أنت لا غيرك المعني بدفع الفاتورة كاملة، أنت من يجب عليه إشعال شمعة عزمه والحفاظ على ضوئها الخافت وسط عواصف الحيرة التي تضربك..
أنت لا تعيش وحدك أعلم .. ولكن من قال أن الناس لك لا عليك؟!
اسمع مني .. لقد خلق الله الواحد منا وفيه من طبائع الملائكة وخيرها، وغير قليل من طبائع الشر وسوء الطوية، ومع تقلبات الدهر ستحاول التجارب أن تخبرك بما يجب عليك فعله، فانتبه لقولها جيداً..
ستخبرك أنك لا يجب أن تكون ملاكاً على الدوام، وإلا ستكون مضغة في فم أهل الشر، يلوكونها ثم يقذفون بما تبقى منها .. ومنك.
وستنبهك ألا تكون شيطاناً، وإلا ستقذف بك الحياة إلى مربع أهل السوء، تقتات على آلام الناس وأوجاعهم ..
ولكن، عليك أن تحمي الخير الذي بداخلك بما وهبت به من حيلة، وأن تزأر كسبع هائج حين يطأ أحدهم محراب روحك، أو يتسلل إلى حياتك حاملاً أوساخ قوله أو فعله..
وأنك حين تهزم، فلا سبيل لك إلا أن تكون أسداً جريحاً، ولا علم لنا بأسد وضع ذيله بين قدميه وانسحب في خزي وصغار..
لا.. إنه يصبح أشد ضراوة، أكثر بأساً، أعتى غضباً، ولو كانت حياته هي الثمن.. فلا حياة ترتجى دون شرف، ولا عيش يطيب مع الهزيمة.
ستخلو الحياة إلا منك، سينفض المعزون من حولك، ستبكي بكاء طفل تائه، سيتردد ذلك الصوت السخيف في عقلك وقلبك وروحك .. يناديك أن خط النهاية قد دنا، وأن الأمر قد قُضي فلا أمل.
لا تصدق كل هذا .. دقق النظر في مرآتك، لا تنشغل كثيراً بانكسار طرفك ولا انطفاء نور عينيك، وإنما اقترب أكثر، ضع فمك قريباً منها وتنفس!
نعم .. تلك الغيمة التي خلفتها أنفاسك هي أصدق خبر تحتاج أن تؤمن به ..
إنك رغم كل شيء..لا زلت حياً!
لا زلت تملك بعض الأنفاس، وبعض الروح، وبعض الأمل..
وتلك لو تدري عدة كافية للبدء من جديد ..
يقال أن الفتى الأموي الهارب عبدالرحمن بن معاوية الملقب بعبدالرحمن الداخل، ظل مُطارداً من جيش العباسيين ليال طوال، وذات ليلة دخل عليه رفيقه وخادمه بدر وهو مختبئ في حظيرة الخيول يسأله عن خطته القادمة، فأخبره سيده أنه يطلب مُلك أجداده في الأندلس، فبرقت عين بدر وقد ظن أن ثمة مدد في الطريق، فسأله بلهفة عن خطوتهم المقبلة، فكانت إجابة الرجل الطريد هي: "أن نبقى أحياء"!
بلى، فبقاؤنا أحياء رغم كل ما تعرضنا له كافٍ جداً كي ننهض من جديد، كافٍ لذوي الهمم كي يضعوا خطاً فاصلاً بين ما مضى بأوجاعه وأحزانه ومآسيه، وما هو آتٍ بكل ما فيه!
كثيراً ما يفوز هؤلاء الذي خاضوا مبارة حياتهم وهم متكئين على إصرارهم وحسب.
وصدقني، كثيراً ما يفوز هؤلاء الذي خاضوا مبارة حياتهم وهم متكئين على إصرارهم وحسب، ظهورهم لا يحميها إلا اليقظة، وصوت غضبهم من أوجاع الماضي يسد آذانهم فهو جمهورهم الوحيد..
أكرر فلتعيها جيداً .. لا يهم من خلفك ولا من أمامك ولا من بجانبك ..
لا تنخدع بازدحامهم عند نصرك، ولا تبتئس من انفضاض جمعهم حال هزيمتك ..
ضربتك القاضية ستأتي منك ..
نحو خوفك فتحييك .. أو إلى بقايا روحك فترديك.