
لو مهتم كنت عرفت لوحدك !

كريم الشاذلى
19 يوليو 2017
لكل عصر ثقافته، ولكل ثقافة لغتها، ولكل لغة قنابلها الموقوتة، وإبهامات مقاصدها!
وفي عصرنا الحالي هناك ثمة ثقافة زوجية تتكون في سمائنا، منها ما هو عميق وإيجابي وفعال، كزيادة الوعي عند فئة ليست قليلة بكنه الزواج ومقاصده وغايته، ومنها ما هو سلبي ومشبع بروح متشائمة رسمت معالم شؤمها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ودللت عليه الأرقام التي تؤكد أننا في زمن الطلاق السريع، والانفصال المفاجئ.
والمؤسف هنا أن المعسكر السلبي يملك قناعاته من خلال تجارب حياتية قائمة، ويدلل على تعاسة المنظومة عبر نماذج مشاهدة، وساعدت كثيراً متلازمة "هو وهي" وارتفاع نغمة الصراع الذكوري النسوي في تأجيج الحرب بدلاً من لفت الانتباه إلى حقوق كل طرف، ومحاولة رد الهوة بين الجنسين.
وظهر هذا جلياً في عبارات تبدو صحيحة بيد أنها ـ إذا ما غصنا في الأعماق ـ غير ذات نفع، وتعمل على زيادة مساحة الاضطراب.
ولكي نكون أكثر دقة، دعونا ننظر إلى ثلاثة قناعات نسوية باتت أشبه بالقواعد الثابتة لديهن:
القناعة الأولى "الاهتمام مبينطلبش!"
تبدو عبارة صحيحة من منطلق أن الحب يحث المرء منا إلى الاهتمام بمحبوبه بشكل لاإرادي، وأنه من مسلمات المودة التركيز على مطالب الحبيب واحتياجاته، وهذا وإن كان فيه من الصحة الشيء الكثير، إلا أننا لا يمكن أن نتعامل معها على أنها قاعدة ثابتة، ذلك أننا في كثير من الأحيان قد ننسى في زحمة الحياة ومطالب لقمة العيش وضغوط المعيشة ما يجب علينا فعله، ونحتاج إلى من يذكرنا به، ويلفت انتباهنا إليه، سيما وأن طبيعة الرجل بشكل خاص تدفعه إلى الانغماس التام في مهامه القائمة، بما قد ينسيه شيء من واجباته العائلية، ويستدعي من الزوجة العاقلة لفت نظر وإعادة تصحيح للمسار، شريطة أن يكون هذا بشكل لا يحمل لوم وتأنيب وصيغة اتهام، لأنه غريزياً سيحاول دفع التهمة عن نفسه، ومحاولة إثبات أن ما فيه ليس بسبب تقصير مقصود وإنما ضغوط قائمة لا يتحمل وزرها، الزوجة العاقلة هي التي تتعامل مع زوجها على أنه جزء من حل أي مشكلة قائمة لا جزء من المشكلة نفسها.
أعلم أن كلامي هذا سيزعج حواء، وأنها سترى في لفت نظر آدم لمطالبها واحتياجاتها شيء من التنازل وخصم من رصيد كرامتها، وهذا ليس أبداً بالشيء السليم، والحياة لا تستقيم إلا إذا تحلينا بفضيلة الفهم، وغض الطرف، والتفكير بنضج فيما يمكن أن يوصلنا إلى أهدافنا بأيسر الطرق وأسرعها.
القناعة الثانية "لو كنت مهتم كنت عرفت"
من القواعد الفقهية الشهيرة أن "النية الفاسدة لا تصلح العمل الصالح"، وأن النوايا الحسنة في كثير من الأحيان تجبر كسر الفعل الناقص أو المنعدم!.
بمعنى أن المرء منا في كثير من الأحيان قد يحمل حبا واحتراماً وتقديراً واهتماماً لشريك حياته، غير أنه يفتقر للمرونة واللياقة الذهنية والعاطفية، وقد تسقط منه أشياء وأشياء هي في نظر الطرف الآخر من المسلمات التي لا يعذر تاركها ولو نسيانا!
وهذا مما يُصعب الحياة، بينما الأيسر هو أن نعيد ترتيب ذهن شريك الحياة، ودفعه إلى القيام بالفعل الجميل الذي نحبه ونتمناه، نعم قد نطلب اهتماماً، قد نطلب كلمة حب، قد نطلب ألا ينسى تاريخاً بعينه، فلربما كان مهتماً حقا لكنه لا يعرف ما احتياجاتك في هذه المسألة أو تلك.
مشكلة كثير من الرجال أنهم يعتبرون النوايا الحسنة هي مبلغ الأمر ومراده، وعليكِ أن تجعلي تلك النية تجري على الجوارح، أن تلفتي النظر، وتنبهي، وتصبري عليه حتى يتعلم ما لم يتعلمه من قبل!
القناعة الثالثة "إنهم يتعاملون معنا كقطع أثاث بعد الزواج"
هذا أمر حقيقي وكثيراً ما يحدث، أن يتعامل الرجل مع زوجته من منطلق الامتلاك، وبالتالي يتخفف كثيراً من مهام كان يقوم بها قبل أن يضمهما بيت واحد، وأصل المشكلة في كثير من الأحيان تتأتى من طبيعة ذكورية قائمة على توجيه الذهن إلى التحديات والأمور المهمة، بعد الزواج يحاول الرجل أن يثبت لنفسه وللمجتمع ولشريك حياته أنه كفء لمهامه الجديدة، وعليه قد يهمل واجباته العاطفية ومسؤولياته الزوجية لصالح العمل والالتزامات المادية.
الزوجة الذكية هنا هي التي تهتم بتقدير ما يبذله زوجها في الخارج، مع لفت النظر بشكل لطيف إلى ما يتوجب عليه فعله في الداخل.
نضيف هنا أن الأوضاع الاقتصادية القائمة باتت أكثر صعوبة عن أي وقت مضى، وأن رجال وشباب هذا الزمان يشعرون بضغط نفسي وعصبي مضاعف، وحالة من القلق مما سيأتي به الغد، وتشكك قائم على قدرتهم في الحفاظ على مستوى ما نجحوا في الوصول إليه.
هذا يضيف عبئاً جديداً على كاهل الزوجة المخلصة، ويضعها أمام مسؤولية لملمة شتات زوجها المضطرب، وبث الطمأنينة في روحة المرتبكة، ومزاجه المتوتر.
بقي أن أقول، لا شيء أخطر من متلازمة "هو وهي" التي أسمعها كثيراً حينما أتوجه بحديث إلى أصدقائي محاولاً لفت الانتباه إلى ما يمكن أن يجعل حياتنا أهدأ.
النساء يرون أن النصائح الموجهة إليهن هو خطاب مليء بالغبن والإنكار لدورهن وترسيخ للخطاب الذكوري الكريه، كما يرى الرجال كذلك أن نصائحنا لهم هو عدم تقدير للضغوط التي يمرون بها وأنه من جملة الخطاب النسوي السيء الذي طغى على الساحة الثقافية مؤخراً.
وسنظل في التيه كثيراً، ما لم ينتبه كل واحد منا إلى أنه جزء مهم من إنجاح المشروع، وأن يقف مكان الطرف الآخر ويشعر بما يمر به، ويحاول أن يحترم ويهتم ويتفهم احتياجاته وطلباته وما يسعده.
نحن بحاجة يا أصدقائي إلى أن نتعلم كيف نكون أكثر حنواً، أكثرا قرباً، أكثر حباً.
الحياة من حولنا قاسية، دعونا لا نزيد قسوتها، أن نبذل جهداً مضاعفاً كي نكون عوناً لأحبابنا كي نمرر الضغوط، وألا نكون عوناً للأيام عليهم.