ليست عقيدة الجيش وحده !

بالعقل كده (21)

ليست عقيدة الجيش وحده !

فتحى النادى

فتحى النادى

14 أبريل 2016

نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.


فى بداية المرحلة الثانوية حدث العدوان الثلاثى على مصر وأنشئ مايسمى "الحرس الوطنى" كنوع من المقاومة الشعبية المنظمة والمسلحة بقيادة أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة أيامها ، وكظهير داخلى للجيش ويمكن بعد تدريب قصير أن يحمل أفراده المسلحون بأسلحة خفيفة عن الجيش عبء حراسة بعض المنشئات أ الإبلاغ عن أى نشاط معادى للدول الثلاثة التى هاجمتنا عقب تأميم قناة السويس.


ذهبت إلى مكتب التطوع فرفض الضابط المسئول أن يسجل إسمى أو يسلمنى السلاح لأنى وقتها لم أكن قد أتممت الثامنة عشرة من عمرى فوقفت على باب مكتبه أبكى .. رق لحالى وخرج يواسينى وسألنى إذا كان والدى يقبل أن يكتب تعهدا شخصيا بأن تطوعى وما يحدث لى على مسئوليته الشخصية .. ولعله كان يأمل أن تنتهى المشكلة عن هذا الحد باعتبار أن والدى سوف يرفض قطعا أن يكتب مثل هذا التعهد.


ذهبت لوالدى وأنا فى قمة الخوف من أن يرفض أو يغض منى فتتوتر العلاقات بيننا (كان يعاملنى كرجل مسئول ويحترم رأيى) ولكنى فوجئت به يرحمه الله يحتضننى ويقبلنى ويذهب معى إلى مكتب التطوع ويكتب التعهد المطلوب ويحضر مراسم تسليمى السلاح المقرر (بندقية لى أنفيلد من مخلفات الحرب العالمية الثانية) ونعود معا والدنيا لاتسعنى من الفرحة وعيناه تشعان فخرا وقد وضع يده على كتفى بينما يتعلق سلاحى على كتفى الأخرى تاركا له مهمة إقناع والدتى يرحمها الله والتى لم تقبل أبدا أن أنقطع عن الدراسة التى كانت مؤجلة فعلا لأى سبب كان.


لم أسافر إلى بورسعيد كما كان مقررا وبقيت فى مسقط رأسى ضمن افراد حراسة المنشئات حتى انتهاء العدوان وافتتاح المدارس مرة أخرى .. إنتهت مرحلة التعليم الثانوى وبعد أن أنهيت دراستى بجامعة القاهرة تم تجنيدى مثل غيرى من الشباب لأداء الخدمة العسكرية لمدة عام بعد إعادة تدريبى وتسليمى سلاحا أحدث هذه المرة (بندقية تشيكية الصنع لاتسعفنى الذاكرة إسمها) قضيتها بين الإسكندرية والقاهرة التى طلبت نقلى إليها لكى أكون قريبا من خطيبتى التى أصبحت شريكة عمرى بعد ذلك يرحمها الله.


أقول كل ذلك لكى أدلل عمليا على أن الدفاع عن مصر وترابها ليس قاصرا على العسكريين المحترفين وليس عقيدة يختصون بها وإنما هو عقيدة كل المصريين وأن تلك الخاصية بالذات ربما كانت هى السبب فى شعور أى مصر بالغربة حتى داخل بلده لو حدث وأقام بعيدا عن مسقط رأسه ناهيك عن العمل خارجها .. فالمصرى مهما حقق من نجاح واستقرار تجده كالعاشق المتيم يشتاق ويحن للقاء محبوبته والبقاء بالقرب منها فيعود إليها مهما طال الغياب.. واقوله لأنى لم أعتد أن أرى جيش بلادى فى دور سوى دور المدافع عن مصر والحارس لكيانها دون أن يلهيه عن أداء ذلك الدور أى مهام سياسية أو اقتصادية أو مطامع .. وأقوله لكى أمارس حقى فى انتقاد الجيش دون أن يتهمنى أحد بالخيانة والعمالة واللتان أصبحتا تهمتان جاهزتان للترهيب والإقصاء، ثم أقول ذلك أخيرا لكى أطلب من جيش بلادى – وقد أحاطت بنا الأعداء من كل جانب وأصبح العدوان مستمرا – أن يعود لثكناته بعد مايقرب من خمسة وستون عاما من الحكم – أن يمنح الشعب فرصة لكى يختار رئيسا مدنيا يكمل المسيرة بمؤسسات الجيش بالقطع أهمها تنطلق من المدر الدولى بلغة ونظام يرسخ للديموقراطية ويرسى دعائم دولة العدل والقانون والمساواة فى الحقوق والواجبات والعيش الكريم لكل فئات الشعب دون اقصاء أو تمييز.


ما أطالب به هو أهم استحقاق لشعب تحمل كثيرا وقاسى كثيرا وروى أرض وطنه وترابها بدمه على مر العصور ووقف فى وجه أى عدوان مهما بلغت قوته وجبروته وثار فى وجه الظلم والطغيان بشجاعة ويملك إرادة التغيير وآن له أن يقرر مصيره بنفسه دون وصاية أو إحساس بأنه اسير مطلوب الإفراج عنه.