
بالعقل كده (25)
فن التفاوض.. وأزمة نقابة الصحفيين

فتحى النادى
12 مايو 2016نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.
لو سألنى أحد ما هو البرنامج التدريبى الذى توصى أن يبدأ به أى مسئول يتصدى يتعرض لمشاكل ويتصدى لحلها لقلت بلا تردد "فن التفاوض" .. نعم فن التفاوض مهارة ينبغى أن تكون لدى كل مسئول فى موقع حساس وتسبق فى أهميتها مهارة إدارة الأزمات التى لايمكن أن تنجح دون إجادة فهم حقيقة المشكلة وتحليلها وتكوين استراتيجية للحل لكى يتم التفاوض مع أطراف المشكلة على أساسها ومن ثم حل المشكلة نفسها.
ولو سألنى أحد لماذا تقول ذلك لأجبت أيضا بلا تردد لأن نقص خبرات التفاوض يؤدى للتطرف فى المواقف وتعقيد المشاكل والوصول بها لحائط سد ومرحلة تقترب كثيرا من نتائج أى حرب لابد وأن يكون فيها منتصر ومهزوم .. ولو أخذنا الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية كمثال فربما اتضح ماأقول. تتلخص المشكلة فى أن ضباطا من الداخلية اقتحموا النقابة للقبض على صحفيين موجودان داخل النقابة تنفيذا لأمر ضبط وإحضار من النيابة العامة دون إتباع الإجراءات القانونية التى ينظمها قانون النقابة.
أما الأسئلة التى كان ولابد من الإجابة عليها لتكوين موقف تفاوضى فهى:
أولا – إذا كان الضباط قد خالفوا الإجراءات فما هو الرد القانونى الذى كان ينبغى اتخاذه من قبل النقابة لمحاسبة من ارتكب تلك المخالفة أيا كان منصبه .. وأقول القانونى وليس شيئا آخر.
ثانيا – لماذا لم يعقد كل طرف فى الأزمة مؤتمرا صحفيا يعلن فيه بشفافية وشجاعة حقيقة ماحدث بدلا من التلاسن والتكذيب ؟ وإذا كان أحد طرفى المشكلة لم يفعل ذلك، ألم يكن ذلك فرصة ذهبية للطرف الآخر يستغلها لكى يثبت سلامة موقفه؟
ثالثا – التصعيد غير المتدرج للنقابة نتج عنه فقدانها لإدارة الأزمة بما يحقق صون كرامتها وكسب تأييد الرأى العام غير الواعى فى مجملة لحقيقة المشكلة وصحيح القانون. التدرج فى التصعيد كان ولابد أن يرغم أطراف الأزمة الآخرين على اتخاذ إجراء أو إجراءات تصحح الوضع وتحل الأزمة لصالح النقابة.
رابعا – الإرتفاع بسقف المطالب من قبل النقابة أدى إلى إدخال حليف قوى هو النيابة العامة كطرف فى المشكلة بل وإصدرها بيانا يدعم موقف الداخلية ويضعف موقف النقابة.
خامسا – بدلا من إقحام إسم رئيس الدولة فى الموضوع كان يمكن للنقيب أن يعقد مؤتمرا صحفيا عالميا يناشده فيه التدخل باعتباره حكما بين السلطات لكى يحمى قلعة من قلاع حرية الرأى دون أى تجاوز أو تغول من أى مؤسسة فى الدولة أيا كانت طبيعتها.
سادسا - لماذا لم تتم دعوة لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب مبكرا للإجتماع بمجلس النقابة لشرح القضية وكسب التأييد داخل البرلمان.
سابعا – لماذا لم يتم توثيق الإعتداءات على الصحفيين فى الشارع توثيقا كاملا بالصوت والصورة من قبل بلطجية دون أن تؤدى الشرطة واجبها لحمايتهم واستعمال ذلك فى محاسبة من قصر فى أداء هذا الواجب؟
الأسئلة السابقة كانت ضرورية لتحديد المشكلة وفهم طبيعتها ومن ثم تكوين رأى واضح عن حجمها واستراتيجية أوضح فى التعامل معها داخل إطار زمنى مرن يستجيب لما يحدث على الأرض ولا يضع شروطا مسبقة بعضها يستحيل تحقيقه سوى بتسليم الطرف أو الأطراف الأخرى للمشكلة بخطئها ومخالفتها لصحيح القانون ولايمكنه التراجع عنه.
أى عاقل لابد وأن يعتبر نقابة الصحفيين ونقابة المحامين قلعتان من قلاع حماية الحقوق العامة ومنبرين من منابر الرأى والدفاع عن حقوق الإنسان، وكان يمكن أن يقف الرأى العام بثقله كله وراء حق نقابة الصحفيين فى الدفاع عن أعضائها وكيانها ضد أى اعتداء يقع عليها أو عليهم ومحاسبة من يتعمد ذلك بالقانون، ولكن الجهل بفنون التفاوض كما قلت حول المشكلة فى وقت قصير إلى أزمة تزداد تعقيدا كل يوم إلى الحد الذى وصل بها إلى حائط سد وبات ضروريا البدء فى التنازل لحلها على حساب أشياء أخرى كثيرة سوف يظل أثرها باقيا لفترة طويلة.