الإخوان بعيدًا عن السيسي.. حديث المصالحة (2)

الإخوان بعيدًا عن السيسي.. حديث المصالحة (2)

جمال الجمل

جمال الجمل

03 ديسمبر 2016

 

(1)

هل الحديث عن المصالحة السياسية في مصر، وهم وصفقات تحتية وبالونات اختبار أم فريضة غائبة يجب السعي إليها في النور بدلا من الظلام؟

 

 (2)

ذلك هو السؤال الذي أريد أن أعلن من خلاله ضرورة المصالحة، كمبدأ إنساني وأخلاقي وسياسي ونفعي، وديني أيضاً، لكن هذا لايعني أن القصية انتهت بتلفيق ساذج على طريقة "صافي يالبن وكل واحد يبوس راس أخوه"، فالموضوع معقد، وتتشابك فيه مصالح وعقبات نفسية وتنظيمية وثأرات تاريخية تحتاج إلى نية مخلصة، وقوة إرادة جبارة، وشفافية وثقة وعقيدة وطنية واعية، وللأسف فإن معظم هذه العوامل غير متوفرة في اللحظة الراهنة، وهذا يعني أن قضية المصالحة تنقسم بين نظرتين ومرحلتين.

 

(3)

أما النظرتان فهما: النظرة الفكرية والعقائدية للمصالحة بشكل عام، وهذه برغم ما طرأ عليها من تشوهات كرست حالة عداء وجودي وبنيوي لجماعة الإخوان لدى قطاعات واسعة في الشارع، إلا أنها الأسهل عند شعب يميل بحكم ميراثه الديني والاجتماعي إلى مبدأ "الصلح خير" والنهي عن اقتتال المسلمين والجنوح للسلم. والنظرة الثانية، هي النظرة العملية المرتبطة بالوضع الراهن، وبحسابات المستقبل، وهنا الإشكالية الكبيرة التي حددت "المصالحة" في حدود "الصفقة السياسية" بين  الإخوان (كتنظيم) وبين السلطة (كنظام أمني) مع غياب واضح للبعد الاجتماعي في هذه المصالحة، لذلك فإن المسار العملي بهذه الطريقة سيظل مشبوهاً، ومرفوضاً من جانب كل متشكك في اقتراب طرفي هذه الثنائية القديمة، التي لم تسفر عن خير للمجتمع في حالة افتراقهما، ولا في حالة الصلح بينهما.

 

(4)

أما المرحلتان، فالأولى مرحلة مراجعة فكرية للمفاهيم التي تقوم عليها كل فئة، وكل جماعة في مصر، وليس الإخوان والجيش فقط، لأن النسيج الاجتماعي بصورته القديمة قد تهتك في معظمه، ولم يعد تنفع معه محاولات "الترقيع" والرتق، والحل العملي هو استبداله بنسيج جديد عصري يطابق أحدث المعايير في تكوين مجتمع متماسك لدولة جديدة تتخلص بنفسها من تقاليد الحكمين المملوكي والعثماني، ومن عقلية القشلاق والعسكرتارية الآمرة، لهذا فإن كل جماعة يجب أن تعيد النظر في تصوراتها عن دورها وطموحاتها في هذا المجتمع وفق مبدأ المشاركة والمواطنة، من دون "أهداف كامنة" تتحين الفرص لاقتناصها والاستئثار بها، وهنا تأتي المرحلة الحاسمة التي تتطلب مشاركة الجميع في "تفعيل" كتاب القواعد المتفق عليها (الدستور) بحيث يكون الطريق إلى السلطة مفتوحاً ومشروعا لكل الفئات والأفراد بلا استثناء، مادام تداول السلطة يتم بأدوات ديموقراطية حقيقية، دون تغول على حق المجتمع، أو خروج على ثوابته وثوابت الدولة المعيارية العصرية، التي يتم تحديد سماتها في آتون المراجعات الداخلية، والحوار المجتمعي الموسع حولها، بحيث يسهل فرض المصالحة بكرامة دون إذعان طرف لطرف، ودون صفقات مريبة تتفق فيها الفئات القوية اتفاق العصابات، على قهر بقية الأطراف الضعيفة في المجتمع.

 

(5)

قد يقول لي أحد البرجماتيين المتسرعين، لكنك بهذه الطريقة هدمت مبادرات المصالحة التي تظهر بين الحين والخين من اساسها، لأن هذا الكلام يعني أن الإخوان لا تملك تقديم عرض مصالحة للنظام، ولا النظام يمكن أن يتكرم ويحتوي الإخوان بالاستجابة لجانب يرضيهم من الشروط المطروحة مثل الغقراج عن المحبوسين، أو حتى الإفراج عن محمد مرسي وكبار الثيادات، مع ضمان عدم ترشح الإخوان لفترة، أو حتى مقابل فك الارتباط بالتنظيم الدولي، وما إلى ذلك من هراء غير محدود، يدخل في مساحات المناورات الميدانية و"اللعب السياسي"، ولا يحقق شيئا لهدف التجانس الاجتماعي الذي يهدد كيان الدولة المصرية نفسها، واقول لذلك البرجماتي الذي يتحرك بدوافع حجم المكاسب المباشرة من اي صفقة: كلامك صحيح، فأنا أقصد نسف المبادرات المطروحة من أساسها، لأنها صفقات بيع وشراء، ومخططات مريبة ومرفوضة لاقتسام السلطة، وليست مصالحة اجتماعية حقيقية.

 

(6)

قد يعود أحدهم البرجماتي فيسألني عن العائد الذي يغري تنظيم كالإخوان بالتخلي عن استثماره لمشروع الخصام (أو الوئام) مع النظام، وهو المكسب المضمون الذي يجب أن يضغط لتحقيقه، بطريقة "أن الذي يحدث في سيناء شيتوقف في التو واللحظة إذا..."، أو بطريقة زرع كومبارس وهمي في المزاد ليرفع السعر على المنافس في الصفقة، وهو الاسلوب الذي تتبعه الجماعة حتى الآن في تكثيف جهودها في الداخل والخارج لإزعاج النظام حتى يسقط، أو يقبل بترضية يدفع فيها سعراً معقولاً، ورأيي أن هذا الكلام انفعالي ويرتبط بغضب اللحظة، وليس له أي امتداد استراتيجي مفيد لجماعة تملك مشروعاً للحكم وأدوات وإمكانات تنظيمية على الأرض، لأنها بدون التفكير في الجمهور الواسع خارجها، وبدون الاعتراف الواضح بفكرة "الشعب"، ستظل تلعب لعبة المشاكس، أو "كومبارس المزادات" الذي يتحرك حتى يقبض ثمن السكوت وفقط، وأظن أن قطاعا عاقلا من أنصار الإخوان ليس كذلك، ويرفض مثل هذا الدور، لأنه يصدق بالفعل حلم "المشروع السياسي".

 

(7)

بدون إطالة أكثر، أقول أن التفكير في "المشروع السياسي" هو ما أردت أن أنبه إليه، ولا أقصد المشروع السياسي للغخوان وحدهم، ولا للسلفيين، ولا لكل حزب من الأحزاب المطروحة، بل اقصد المشروع السياسي لكل من يفكر في العمل بالسياسة، حتى لو كان مرشحاً في وحدة محلية صغيرة، لأن التحرك بدون مراعاة شروط "المشروع السياسي" تجعل من كل الخطوات والتحركات، مجرد "سبوبة"، و"سلعة" مهما ندرت وتمنعت فإنها في النهاية لها سعر يمكن شراؤها به، لهذا أطمح لتهيئة أنفسنا فرداً فردأً وجماعة جماعة، للتفكير في النقاط الأربعة التي طرحتها:

 

  1. نظرياً.. هل ضميرك مع المصالحة الاجتماعية الشاملة بشروط التماسك الاجتماعي ومبدأ المواطنة في دولة معيارية ام أنك ضد المبدأ، وتؤمن بحرق أو غزاحة خصومك؟
  2.  
  3. عملياً.. ماهي الضمانات والاشتراطات التي تراهل واجبة لتحقيق المصالحة الاجتماعية وفق المبادئ الدستورية العامة ومن غير تغليب فئة على الأخرى، أم أنك ترى أن التاريح انتهى عند هذا التقسيم المشين، وعلينا أن نفكر في توزيع ديموجرافي جديد وتقسيم مصر؟
  4.  
  5. كيف تبدأ مرحلة المراجعات المنفتحة على العصر، ليس من منطلق "الاستتابة" أو إذعان طرف للآخر، أو المحاصصة وتوزيع الاقطاعيات والبعاديات للترضية وتمكين الحكم ضد مجتمع يعاني ويئن في عجز؟
  6.  
  7. المرحلة الأخيرة هي إسقاط "عقلية الشعارات" والتحرر من "عبودية النصوص" دون فهم جوهرها، إذ يجب تفعيل النصوص وفي مقدمتها الدستور الاتفاقي، وفي القلب منه المساوة التامة في المواطنة، فهل أنتم مستعدون لرئيس إسلامي، ورئيس قبطي، ورئيس نوبي، ورئيس امرأة؟

 

(8)

إذا لم نستطع أن نفكر في كل هذا من أجل مصالحة حقيقية يرضى عنها الله ورسله، والمفكرين والفلاسفة، والمحبين لأوطانهم، فستبقى مبادرات المصالحة، مجرد اختبار كل طرف لقدرة الطرف الآخر على الاستمرار في الصراع، ومساومته على ثمن المشاركة في الجريمة التي تتم بحق مصر وشعبها وتاريخها ومستقبلها.

 

tamahi@hotmail.co