بعد مرور 6 سنوات على الثورة ..الإجابة مازالت تونس
في قلب مدينة سيدي بوزيد، أجبرت الظروف محمد البوعزيزي، على حرق جسده، حيث لم يكن يخطر بباله وقتها أنه سيهز أركان نظام استمر طيلة 23 عاماً مفجرا ثورة اندلعت في 17 ديسمبر وحتي 14 يناير 2011 بهروب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي.
"يا توانسة ماعدش خوف..بن علي هرب"، ذلك المقطع الشهير للمحامي التونسي عبد الناصر لعويني، يصرخ في شوارع تونس، كان نقطة مضيئة تمني المصريين حدوثها في بلادهم، وسط دعوات للتظاهر في 25 يناير 2011.
18 يوماً داخل ميدان التحرير انتهت بخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك وأصبحت الإجابة تونس كلما تعثر الوضع في مصر بعد الثورة، دلالة على أنه يمكن اتباع النموذج التونسي.
سبقت تونس مصر بخطوات عديدة على الرغم من قيام الثورتين في نفس الوقت، مرت مصر بتعثرات مرت بها تونس، ففي 2013 تمكن التونسيون من تجاوز أزمة بشق الأنفس كادت أن تطيح بتجربتهم بسبب حادثتي اغتيال سياسي، اضطرت الحكومة المكونة من حركة النهضة وحليفين آخرين لتسليم الأمور لحكومة تكنوقراط في إطار حوار وطني قادته منظمات المجتمع المدني على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.
حقيقة وكرامة
بعد "ثورة جانفي" كما ينطقها التوانسة كانت الإجراءات تسير تجاه خانة العدالة الانتقالية، بمحاكمة عدد من قيادات النظام السابق وتمرير قانون العفو العام لفائدة المساجين السياسيين السابقين.
شُكلت لجنتين لتقصي الحقائق للكشف عن حقيقة الانتهاكات المرتكبة خلال الثورة والنظام السابق تحت اسم "اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق لملقات الساد والرشوة، واللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات منذ 17 ديسمبر".
ركزت برامج جبر الضرر والتعويض على شهداء وجرحي الثورة وللذي توسع فيما بعد ليشمل ضحايا الحوض المنجمي "تلك الانتفاضة التي اندلعت في 2008 وشهدت قمع شديد"، بحصولهم على تعويضات مادية وعلاج وتعليم لعائلاتهم وتنقل مجاني.
علي مدار 6 أعوام حصل جميع رموز مبارك على البراءة في مصر، كانت محاكمتهم مجرد إجراء "مبتور" لتسكين الضغط الشعبي في البداية، بحسب وصف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ورقة "العدالة الانتقالية والعزل السياسية".
ومنذ اليوم الأول لتشكيل المجلس القومي لرعاية مصابي وأسر شهداء الثورة بمصر، خرج أهالي الشهداء والمصابين بشكاوي حول عدم تلقيهم الرعاية وإدراج أسماء أخري في الكشوفات لم يكونوا من مصابي الثورة، في الوقت الذي برأت فيه محاكم الجنايات الضباط المتهمين بقتل الشهداء.
بحلول نوفمبر 2016 كان الوضع مختلفاً على التلفزيون الرسمي التونسي الذي بدأ بث أولي جلسات هئية "الحقيقة والكرامة" للتحقيق وكشف الحقيقة حول الانتهاكات المرتكبة منذ 1955 وحتي نهاية ديسمبر 2013، التي تلقت روايات وشهادات الضحايا وتحديد مسئولية الدولة وجبر الضرر.
سهام بن سدرين رئيسة الهيئة صرحت في بداية العام الجاري أنها أجرت أكثر من 15 ألف جلسة استماع سرية لضحايا الاستبداد والفساد ولديهم 65 ألف مسجّل من الذين قدّموا شكاوى حتي منتصف يونيو 2016.
تعثرت عملية العدالة الانتقالية بمصر ليس فقط بسبب البيئة السياسية المستقطبة التي تلت الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، ولكن أيضاً لفداحة الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة الجديدة، بحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية خاصة عندما قُتل أكثر من 800 شخص كانوا يعتصمون في ميدان رابعة.
في حديث عماد مبارك، المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، للمركز الدولي، يري أن جرائم مثل رابعة أوغرت الكراهية والانقسام في المجتمع المصري، مسهمة في حالة من التوتر الغير مشجع للسعي لكشف الحقيقة والمحاسبة، أو حتى إصلاحات مؤسسية جذرية.
الأموال المنهوبة
بحسب دراسة أجراها المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية التونسي بدأت الإجراءات التي اتبعتها تونس لتتبع الأموال المنهوبة وتحديدها منذ اليوم الأول، وخاضت معارك قضائية لاستعادة تلك الأموال فتم الحصول في البداية على 30 مليون دولار من لبنان طعنت ليلي بن علي زوجة الرئيس المخلوع على القرار لكنها خسرت القضية.
وجهت تونس طلبات مساعدة قضائية وردت عليها السلطات السويسرية بإقرارها وجود منظمة إجرامية ومصادرة أموال تقدر بـ 32 مليون فرانك سويسري وإعادتها إلى تونس، في أبريل 2014، لكن تم الطعن على هذا القرار، وقبلته سويسرا في ديسمبر 2014.
بعد قبول الطعن تمت إعادة الملف للنيابة العمومية، أقيمت دعوى ضد بنك سويسري بطلب من محامي الدولة التونسية في مارس 2015 لتعمد هذا البنك تسهيل تبييض أموال من قبل بلحسن الطرابلسي. وقد طالب المحامي بغرامة لفائدة تونس تبلغ 114 مليون فرانك سويسري.
حسبما أعلن المكلف العام بنزاعات الدولة التونسية، كمال الهذيلي، خلال الملتقى الدولي الذي انطلقت أعماله في تونس تحت عنوان "منظومة استرجاع الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة"، استعادت تونس، ما يقدر بـ500 ألف دينارا تونسيا من أصل 60 مليون يورو مجمدة في سويسرا، لتتمكن خلال سنتين من استعادة طائرة ويختين و 28 مليون دولار من لبنان.
لم يتعد الأمر تشكيل لجان منذ إبريل 2011 وحتي الأن بمصر، اللجنة الأولي كانت بقرار من المجلس العسكري، وجاءت الثانية بقرار من كمال الجنزوري رئيس الوزراء في 2012، ومع وصول محمد مرسي للحكم شكل اللجنة الثالثة في أغسطس 2012، وبعد 30 يونيو جاءت اللجنة الرابعة بقرار من رئيس مجلس الوزاء إبراهيم محلب.
في منتصف عام 2015 خرج تصريح من وزير الدولة للشئون الخارجية في سويسرا عن أسباب توقف الدعوي المتعلقة بإعادة أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك، قائلا :"نحن لا نريد أموال مبارك ورموز نظامه بالعكس البنوك السويسرية تريد التخلص منها ويقولون لنا خذوا هذه الأموال لأنها تحرق أيدينا"، متابعا :"هناك أنظمة لا تريد استرجاع الأموال لأسباب سياسية، هذه ليست مشكلتنا إنما مشكلة مصر في الأساس".
يتزامن إرسال الرئيس التونسي خطاب ترشيح الرباعية التونسية لجائزة نوبل، مع صدور تعليمات في مصر بمنع عدد من العاملين بمنظمات المجتمع المدني من السفر إلى الخارج. التعليمات جاءت بناء على قرار أصدره قاضى التحقيق في قضية التمويل الأجنبي المفتوحة في مصر منذ عام ٢٠١١، ولم يغلق حتى الوقت الراهن، لذلك أصدرت ١٩ منظمة حقوقية مستقلة بيانا في يناير الماضي أدان حظر سفر النشطاء بناء على إجراءات غير معروفة ودون معرفة الاتهامات الموجهة إليهم.