لماذا غابت «عصا الشرطة» عن مظاهرات الخبز؟
على غير عادتها، لم ترفع الشرطة عصاها في مواجهة مظاهرات الخبز قبل أيام، احتجاجا على قرارات وزير التموين بشأن الكارت الذهبي، بل إنها وزعت بنفسها الخبز على المتظاهرين بالإسكندرية، من واقع الصور التي تداولها كثيرون على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
الموقف الأمني اللافت، صاحبه موقف حكومي جاء متوددا إلى المتظاهرين؛ يحاول أن يشرح أبعاد الأزمة، دون اتهام بالتخريب أو الشغب كما كان يحدث عند كل مظاهرة ترفع مطالب سياسية، حيث كانت الحكومة، ممثلة في وزارة الداخلية، تطبق، بشكل صارم، قانون التظاهر، بل وعاقبت به كثيرين ممن خرجوا ضد سياسات وقرارات حكومية في الفترة الماضية.
ووصف أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية سعيد صادق ما جرى بأنه "حالة عابرة لا يمكن أن تتطور إلى شكل أكبر".
وقال لـ"مصر العربية" إنه لابد من قراءة المشهد بشكل صحيح، فالتظاهرات كانت في أماكن محدودة في بعض المحافظات ولم تكن شاملة، وبالتالي تم التعامل معها بشكل سريع، وانتهت الأزمة.
وأضاف أن تظاهرات الأسبوع الماضي حركها أصحاب المخابز، ولم ترفع لافتات معارضة للنظام، بل نادت بالخبز فحسب.
وأرجع صادق وقوع التظاهرات ضد قرار وزير التموين لسوء الإدارة وعدم التمهيد من خلال الإعلام لما سيتخذ من قرار.
وأشار إلى أنه لن يحدث ثورات في مصر قريبا، فالمصريون أدركوا أن الثورات لن تحل أزماتهم، كما أن النظام الحالي مدعوم بالجيش والشرطة، عكس ما حدث في 2011 و2013.
وقال إن أي تظاهرات ستحمل بعدا سياسي ستتعامل الشرطة معها ﻷنها متحالفة مع النظام كما أن المؤسسة العسكرية تدعمه.
وأوضح أن نظام السيسي، إلى جانب دعم المؤسسات الأمنية له، فإنه يحظى بدعم دولي من الاتحاد الأوروبي الذي يخشي من زيادة أعداد اللاجئين لو قامت ثورة في مصر، كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة تقدم دعما للسيسي.
خروج مظاهرات الخبز، حمل بعض المتابعين للمقاربة بين ما جرى ومظاهرات 18 و19 يناير 1977 التي سميت بـ"انتفاضة الخبز".
الصحف الحكومية اتهمت تنظيمات شيوعية بأنها وراء مظاهر ات يناير 77
إحدى تجليات القرض
لكن يذهب الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن أزمة الخبز الأخيرة هي إحدى تجليات الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد.
وقال لـ"مصر العربية" إن مصر بحاجة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهناك شروط وضعها الصندوق لبرنامج الإصلاح، يجب تطبيقها، لكن النظام السياسي يحمل غالبية الأعباء للفقراء وحدهم وينحاز للاغنياء.
ويفرق نافعة بين ما وقع مؤخرا وما سمي بانتفاضة الخبز في 1977، مشيرا إلى أن الأزمة التي اندلعت في البلاد وسميت بانتفاضة الخبز في السبعينات كانت ناتجة عن أزمة اقتصادية بحتة، أما الأزمة الأخيرة فهي ناتجة عن أزمة سياسية خلفت أزمة اقتصادية.
وأضاف أن النظام السياسي الحالي تغيب عنه الرؤية السياسية، وبالتالي ستشهد الفترة المقبلة أزمات متكررة ذات طابع اجتماعي.
وبخصوص تعامل الشرطة بلطف مع التظاهرات، ذهب نافعة إلى أن ذلك وإن كان حدث في بعض المناطق إلا أنه لم يعمم على جميع الأماكن.
وتوقع نافعة أن تتعامل الشرطة مع أي تظاهرات مستقبلية سواء حملت طابعا سياسيا أو اقتصاديا بحزم قد يصل في بعض الأحيان للعنف.
الحل في مصالحة
وقال إن حل الأزمات الاجتماعية الحالية لن يأتى إلا عن طريق حل سياسي بالتصالح مع المجتمع.
ونبه إلى أنه لا يقصد التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين، فهما والجيش وجهان لعملة واحدة، ويتصارعان على السلطة، بحسب وصفه،
وأوضح أن الشعب يحتاج لحكم ديمقراطي حقيقي، وأن هذا لن ينتج عن وصول الإخوان للحكم مرة أخرى، أو بقاء المؤسسة العسكرية متحكمة في الأمور.
حسين عبدالرازق القيادي بحزب التجمع، قال إن ما حدث في يناير 1977 لا يمكن تكراره حاليا فالمقدمات مختلفة وبالتالي النتائج مختلفة.
ويسترجع عبدالرازق ما كان يردد وقتها على المستوى الرسمي من وعود انفراجة قريبة في الأسعار، وتحسن في الأوضاع الاجتماعية، لكن مع حلول 18يناير فوجئ الجميع بزيادة على جميع الأسعار.
ولفت إلى أن الارتفاعات في الأسعار باتت مزعجة ولم يعد لفظ الفقراء يطلق على العمال والفلاحين فقط، لكنه امتد لغالبية الطبقة المتوسطة وهو ما ينذر بكارثة، على حد قوله.