في الذكرى الـ 50 للنكسة| عبد الحكيم عامر.. جنرال مات مسموما بالهزيمة (بروفايل)
مع حلول الذكرى الخمسين للهزيمة القاسية التي تعرضت لها مصر في الخامس من يونيو عام 1967، تستدعي صور المعنيين بأحداث ذلك التاريخ، تلقائيًا، صور القادة العسكريين الذين ارتبطوا بوقائع تلك الأيام، وفي مقدمتهم المشير عبد الحكيم عامر الذي تولى وقتها القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية.
ومع تأكيد وفاته مسموما، إلا أن الجدل حول ما إذا كان انتحر بنفسه أم نحره آخرون، ما يزال قائما دون أن يحسمه طرف من الفريقين المختلفين حول الواقعة.
فبينما تقول الرواية الرسمية إنه أقدم على الانتحار، يقول نجله الأكبر جمال عبد الحكيم عامر في حوار نشره موقع جريدة الوفد في السادس والعشرين من يوليو 2016 وأجراه خيري حسن، أن والده "سُقي السم".
ظل عامر على رأس المؤسسة العسكرية في مصر لفترة تجاوزت 14 عاما، تخللها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وانفصال سوريا عن دولة الوحدة عام 1961، ومشاركة الجيش المصري في اليمن عام 1962، وهزيمة يونيو 1967.
نشأ محمد عبد الحكيم عامر، ابنا لأسرة ميسورة بقرية أسطال بالمنيا، عام 1919، حيث كان والده عمدة القرية، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1935، التحق بكلية الزراعة، قبل أن يتركها ليلتحق بالكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1938، ثم في كلية أركان الحرب عام 1948.
تزوج عامر أكثر من مرة، وكانت الممثلة برلنتي عبد الحميد أشهر زوجاته، أنجب منها ولدا في أبريل 1967، وأصدرت عن قصة زواجهما كتابا بعنوان "المشير وأنا" نشرته عام 1993.
لعب دورا بارزا في نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، داخليا وخارجيا، وكان عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي، كما أظهر مهارة كبيرة بعد انضمامه، فور تخرجه، بقوات الجيش المصري في السودان عام 1941، والتقى هناك جمال عبد الناصر.
كما التقى الاثنان مجددًا في حرب فلسطين عام 1948 حيث كان الاثنان في صفوف التشكيلات التي قاتلت العصابات الصهيونية هناك.
عقب عودته من حرب فلسطين تم نقل عامر إلى أحد مراكز التدريب بمنقباد في أسيوط، وقبيل ثورة 23 يوليو 1952 كان عامر عضوًا في الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
وكان لنجاح الثورة دور فاعل في الترقي السريع لعامر، إذ تمت ترقيته من رتبة رائد إلى رتبة لواء وقت أن كان عمره 34 عاما، ثم أوكلت إليه مهمة قيادة القوات المسلحة قائدا عاما لها عام 1953، وفي عام 1954 تولى وزارة الحربية مع احتفاظه بقيادة الجيش، وحاز رتبة فريق عام 1958.
وحظي عامر بأرفع رتبة عسكرية في القوات المسلحة، بعد قيام الوحدة مع سوريا الشقيقة، تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، حيث تم منحه رتبة "مشير" في الثالث والعشرين من فبراير عام 1958، وفي السادس من مارس من نفس العام، جرت ترقيته لمنصب نائب الرئيس، وظل في المنصب حتى أغسطس من عام 1961، كما تولى وقتها رئاسة اللجنة العليا للسد العالي، ثم رئاسة المجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
أشرف عامر على التدخل العسكري المصري في اليمن بعد قيام ثورتها في الثلاثين من سبتمبر عام 1962، وذلك بصفته قائدا عاما للجيش، وزار اليمن لأول مرة عام 1963.
وبحلول مايو من عام 1966 تولى رئاسة اللجنة العليا لتصفية الإقطاع، وفي أكتوبر من نفس العام أسند إلى وزير الحربية شمس بدران بعض اختصاصاته كقائد عام للقوات المسلحة.
وبعد توقيع مصر اتفاقية للدفاع المشترك مع سوريا في نوفمبر 1966، أبلغ الاتحاد السوفيتي مصر بحشد الإسرائيليين عسكريا على الحدود السورية، فحشدت القوات المصرية رجالها في سيناء في الرابع عشر من مايو 1967 بغية تخفيف العبء على الجبهة السورية، وفي السابع عشر من مايو 1967 أغلقت مصر مضايق تيران وصنافير في وجه الملاحة الإسرائيلية، ما فجر حرب يونيو 1967 وعامر على رأس قيادة الجيش المصري.
في الخامس من يونيو 1967 باغت الطيران الإسرائيلي سلاح الطيران المصري، فدمر معظم طائرته وهي على الأرض بالقواعد العسكرية والمطارات المدنية، ما أفقد قيادة الجيش القدرة على إدارة المعركة، فاتخذت قرارات سريعة بالانسحاب، ما ضاعف الخسارة المصرية.
دفعت الهزيمة عامر إلى التنحي عن جميع مناصبه، والبقاء في منزله بالجيزة، يرافقه بعض القيادات العسكرية من المتعاطفين معه، ما أثار حالة من البلبلة بشأن اعتزامه القيام بانقلاب عسكري ضد عبد الناصر، فاستدعى الأخير رفيقه عامر، وفي نفس التوقيت توجه وزير الحربية ورئيس الأركان الجديدان محمد فوزي وعبد المنعم رياض إلى منزل المشير، وأمرا القادة المتواجدين، تحت التهديد باستخدام القوة، بتسليم أنفسهم والأسلحة التي بحوزتهم، فاستسلم القادة وانتهى ما وصف بأنه كان اعتصاما بمنزل المشير.
أعقب تسليم القادة أنفسهم، فرض الإقامة الجبرية على عامر الذي أعلن عن موته منتحرا في الرابع عشر من سبتمبر 1967، ليدفن في قريته أسطال بالمنيا عن عمر لم يتجاوز 48 عاما.