بالصور| مخيم «الشاطئ» في غزة.. شاهد على «النكبة»
ما تزال البيوت الصغيرة المتلاصقة، ذات الأسطح المُغطّاة بألواح من الصفيح، في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، شاهدة على "النكبة" التي حلّت بالفلسطينيين عام 1948؛ عقب قيام دولة "إسرائيل".
ويعتبر مخيم "الشاطئ"، الذي أُقيم على مساحة لم تتجاوز الـ"كيلو متر مربع"، ثاني أكبر المخيّمات التي احتضنت لاجئين إبان أحداث النكبة التي حلّت بهم.
ورغم مرور 69 عاماً، على أحداث النكبة، إلا أن ذاكرة سكان المخيم، من كبار السن، لا زالت تعجّ بذكريات النكبة "المؤلمة".
وعلى كرسيّ حديديّ، يطلّ على شاطئ بحر غزة، يجلس محمود أبو شقفة (86 عاماً)، يقلب في ذاكرته "المكتظّة" أحداث النكبة التي عايشها، "كي لا ينساها".
ويبدأ أبو شقفة حديثه للأناضول منذ نقطة البداية حيث أحداث عام 1948، إذ كان حينها شاباً بعمر الـ(16 عاماً)، يعمل في أرض زراعية تعود لعائلته في قرية "هربيا" (تبعد عن شمال قطاع غزة مسافة 15 كيلو متر).
وبينما كان منهمكاً بزراعة أرضه، لمح دبابات وآليات عسكرية تعود للعصابات الصهيونية، تبرز من التلّة المطلة على منزلهم، ليدوّي بعدها بدقائق أصوات انفجارات وإطلاق للرصاص.
ولم تلبث عائلته المكوّنة من 6 أفراد، ساعات قليلة حتّى همّت بمغادرة قريتها متجهةً نحو قطاع غزة، خوفاً على أرواحها، سيّما وأنها سمعت قصصاً وصفها أبو شقفة بـ"المروعة"، عن مجازر ارتكبتها العصابات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وبأقدامٍ حافية، هاجرت عائلة أبو شقفة قريتها، لتحطّ رحالها بعد أيام قليلة وسط مدينة غزة.
ولمدة 3 سنوات منذ الهجرة، عرفت حياة أبو شقفة معنى "التشرّد"، إذ انتقل وعائلته من مكان لآخر، ومن خيمةٍ إلى أُخرى، حتّى استقرّوا بالقرب من منطقة تطلُّ على شاطئ مدينة غزة، تعجّ بـ"الأحراش والأعشاب البرية".
وعاش أبو شقفة في تلك السنوات على أمل العودة إلى دياره، إلا أن بدء موظّفون "أُمميون" يتبعون لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في تشييد المخيم، أشعرته بالقلق.
ومع نهاية عام 1950، بدأت معالم مخيم "الشاطئ" بالظهور، إذ حوّلت المنظّمة الأممية الخيام التي يقطن فيها اللاجئون، إلى غرفٍ "طينية"، تُوهبها للعائلات بأحجام مختلفة تتناسبُ مع أعدادهم، كما قال أبو شقفة.
وحصل أبو شقفة وعائلته على غرفتيْن اثنتين، حجم الواحدة منها 3.5 متر مربع، إذ كان يعيش في الغرفة الأولى والده وزوجتيه، وأما في الثانية (هو وجدّه وإخوته الإثنيْن).
وأُنشأ في كل حارة داخل المخيّم، بيتيْن تفصل بينهما مساحة كبيرة لـ"قضاء الحاجة"، الأول للرجال والثاني للنساء، فلم يكن هذا البيت "خاصاً" في ذلك الوقت.
ويقول أبو شقفة إن الغرف الطينية بالكاد كانت تفي بغرض النوم والجلوس، وإخفاء بعض الحاجيات الشخصية.
كما كانت الغرف الطينية تزيد من أعباء الحياة للاجئين، إذ عُرف أنها تسرّب المياه في فصل الشتاء إلى الداخل، وتعتبر مخبأً جيداً للحشرات والقوارض، آنذاك.
وشكّلت هذه الغرف تربة خصبة لانتشار الأمراض، سيما عند الأطفال، إذ يقول أبو شقفة، أنه فقد طفليْن إثنيْن نتيجة إصابتهما بالأمراض جراء سوء المكان من الناحية الصحيّة، ولسوء التغذية.
ويتابع قائلاً:" الطفل الأول أُصيب بغرغرينا في الوجه، نتيجة ظهور حبوب كبيرة وإهمال علاجه، وأما الثاني توفي بعد إصابته بهزال عام في صحّته وجسده".
ويلفت أبو شقفة إلى خلو مخيم الشاطئ، آنذاك، من المقابر الخاصة بدفن جثث اللاجئين، إذ توجّهت العائلات حينها، لدفن جثث أقربائها في شاطئ البحر.
ويضيف:" مقابل هذه المنطقة التي أجلس عليها تحديداً، دفنت طفلاي، لكن المد البحري، ابتلع الأراضي التي دُفنت فيها كل الجثث".
ويروي أبو شقفة، أن وكالة "أونروا" وضعت في كل حارةٍ صنبوريْن عاميْن من المياه، فيما يتم نقل المياه من الحارة إلى المنازل عبر "الأوعية البلاستيكية والحديدية".
ويكمل نصر البلعاوي (69 عاما)، رواية قصة "مخيم الشاطئ"، حيث أوضح أن بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة عام 1967، بدأت وكالة "أونروا" باستبدال الطوب الطيني الذي استخدمته في بناء بيوت المخيم، إلى آخر اسمنتي.
ويوضح البلعاوي المُهجّر من مدينة "المجدل" (غرب القدس)، ، لوكالة الأناضول، أن مخيم الشاطئ، في تلك الفترة، شهد تحسّناً في البنى التحتية الخاصة به.
وقال:" في السابق، كان المخيم من بيوت طينية، وأراضٍ ملوّثه بمياه الصرف الصحي، وبيوت عامة لقضاء الحاجة".
ويذكر أنه بعد توجّه الفلسطينيين الشباب للعمل، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، شهدت البيوت تحسناً آخراً، وزيادة في المساحة وحجم الغرف.
ويشير الملمح العام لمخيم الشاطئ، بوضوح إلى مدى البؤس وحالة الفقر التي يشكو منها السكان، فالمنازل صغيرة والجدران متهالكة.
وفاقمت الحروب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، من الوضع المعيشي لسكان مخيم الشاطئ، إذ فقد العشرات منهم مصادر دخلهم، وآخرون فقدوا منازلهم، إلى جانب تضرر البنى التحتية للمخيم.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن مخيم الشاطئ يعد من أفقر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين.
ويطلق الفلسطينيون مصطلح "النكبة" على عملية تهجيرهم من أراضيهم على يد "عصابات صهيونية مسلحة"، عام 1948، ويحيونها في 15 مايو من كل عام، بمسيرات احتجاجية وإقامة معارض تراثية تؤكد على حقهم في العودة لأراضيهم، وارتباطهم بها.