
أوبر وكريم.. دعوى خسرها المحكوم له!

مدحت نافع
06 أبريل 2018
حينما أقام عدد من سائقى السيارات الأجرة المعروفة شعبياً بـ"التاكسى الأبيض" دعوى قضائية ضد شركات خدمات نقل الركاب القائمة على الاقتصاد التشاركى بتطبيقات الحاسب الآلى، كان مبلغ أملهم أن يحكم القضاء الإدارى لصالحهم ويوقف عمل شركات منافسة مثل "أوبر" و"كريم". لكن حينما تحقق حلم مقيمى الدعوى لم ينتبهوا إلى الخدمة الكبيرة التى أسدوها لتلك الشركات وكأن الحكم بإنهاء عملها فى مصر كان حكماً لصالحها، خاصة لما اشتمل عليه من ضرورة تقنين وضعها.
الحكم القضائى إذن صار مسوّغاً سريعاً لتبرير التعجيل التشريعى المقنن لأوضاع شركات نقل الركاب المذكورة. صحيح أن هناك بعض المواد الخلافية التى تعترض صدور التشريع، لكن الأمر مآله إلى الحسم السريع.
الدعوى التى خسرها المدعى رغم الحكم له لم يخسرها بفعل التآمر على مكاسبه من قبل مؤسسات الدولة كما يزعم بعضهم! ولكنه خسرها حينما أراد أن يقتل كل فرص المنافسة لمجرد احتكار الخدمة وإصراراً على تقديمها رديئة مهينة للمستهلك!.. ما هذا السخف؟! تريد أن تستمر فى العمل بدون رقابة ولا عداد ولا احترام للراكب ولا التزام بالوقوف دون اختيار الوجهة ...ثم إنك تريد أن تستبعد كل من ينافسك بتقديم خدمات مراقبة من قبل شركات منظمة تحترم الراكب وتحقق فى شكواه وتتعقب المركبة وتجبر سائقيها على الامتثال لطلبات الركاب فى الوصول إلى أية وجهة دون شروط!! هذا لعمرى فى القياس عجيب..
صحيح هناك استثناءات بين أصحاب السيارات الأجرة التقليدية ممن يقدمون خدمة مميزة للراكب، كما إن هناك استثناءات –بدأت فى التزايد مؤخراً- بين السائقين المنتمين إلى شركات تعمل بتطبيقات الإنترنت ثبت معها إهدار حقوق الركاب بشكل سافر مع ضعف الشركات فى التعامل مع حالات التجاوز.. لكن تظل الاستثناءات مؤكدة للقاعدة فى الحالتين، والقاعدة تؤكد على أن كثيراً من المواطنين أصبحوا يعتمدون بشكل شبه تام فى تنقلاتهم وتنقلات أبنائهم الذين يخشون عليهم مصائب الطريق على هذا النوع الجديد من شركات خدمات النقل التشاركى.
هم لا يحملون عبء المعركة التقليدية فى الفصال على الأجرة لدى الوصول إلى الوجهة المطلوبة! ولا يحملون عبء تسجيل والتداول الفورى لرقم السيارة بمجرد ركوب الفتيات أو القصر مع سيارة أجرة خاصة فى المساء، لأن كافة بيانات السائق وسيارته تصبح متاحة على الفور وبدقة عالية بمجرد قبول طلب الاستدعاء.
فى العاصمة الفرنسية باريس قررت استخدام خدمات واحدة من تلك الشركات، وكانت الخدمة ممتازة وسريعة وترقى إلى مستوى خدمات الليموزين بفنادق السبع نجوم، فضلاً عن كونها رخيصة جداً بالمقارنة بسيارات الأجرة العادية وسيارات الليموزين التقليدية. لكن الباريسيين من سائقى السيارات الأجرة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها أكثر من مرة من أجل وقف تلك المنافسة الجائرة (وسوف أقول لك حالاً لماذا أقر بأنها جائرة فى الحالة الفرنسية) كما قاموا بتعطيل حركة السير والإضراب الذى اشتهر به الفرنسيون من أجل الضغط على الحكومة لوقف هذه المنافسة.
فى الحالة الفرنسية يحق لسائق التاكسى الذى يدفع مبلغاً كبيراً جداً من المال من أجل الحصول على الترخيص بالعمل والذى يلتزم بالقوانين المنظمة لنقل الركاب ويتحمل فى سبيل ذلك تكاليف استثمارية كبيرة كما يتكبد مشقة الالتزام بالقوانين والغرامات المقررة لدى اختراقها، خاصة إذا كانت المنافسة من قبل شركات تقديم الخدمة التشاركية لا يتحملون أياً من تلك التكاليف. هذا يترتب عليه خروجاً فورياً من المنافسة وعجزاً عن تغطية نفقات التشغيل.
ما نقوله أن الاستشهاد بوقف هذا النوع من الشركات فى بعض الدول التى تقدم خدمات نقل ركاب عالية التنظيم والمراقبة، هو استشهاد باطل متحيز، وأن على سائقى الأجرة أن يحسنوا من الخدمات التى يقدمونها واستخدام أدوات المنافسة السعرية أيضاً لتحسين فرصهم فى البقاء، لا أن يقيموا الدعاوى القضائية التى خسروها بالتأكيد حتى من قبل إقامتها.