
البرادعي والنظام.. من يحب الإرهاب أكثر؟

تامر أبو عرب
21 ديسمبر 2016(1)
"الإرهاب الأسود مدان بكل أشكاله ومهما كانت دوافعه. العنف لا يولد إلا العنف. مُجتمع يتسع للجميع قائم على العدل والحرية والكرامة هو مخرجنا".
تغريدة قصيرة كتبها الدكتور محمد البرادعي كانت مخرجا مريحًا لكثيرين أرادوا أن يصرفوا النظر عن أوجه التقصير الكثيرة في حادث تفجير الكنيسة البطرسية بشن حملة سباب وتشكيك في الرجل الذي يدعو للتصاهابمع الإرهابيين والتسامح مع المتطرفين.
لا يختلف كلام "عبد الفتاح" كثيرا عن كلام البرادعي، لكن أحدا لم يتهمه بالدعوة لاحتضان الإرهابيين، لأن كلامه واضح كما كلام البرادعي.
لم تكن المرة الأولى، كما أنها في ظني لن تكون الأخيرة، فمن لا يملك إنجازًا يثبت به كفاءته، ينفق عمره محاولا إثبات أن الآخرين أسوأ منه، وفي سبيل ذلك لا مانع من تأويل الأحاديث وتحريفها وتشويه مقصدها، بل وتجاهل توضيحات صاحب الشأن نفسه.
بعد الهجوم الإرهابي على كمين الزقدان الذي راح ضحيته 12 شهيدًا من القوات المسلحة في أكتوبر الماضي، كتب البرادعي تغريدة مشابهة تحدث فيها عن ضرورة الخروج من ظلام الكراهية والعنف المتبادل إلى نور التسامح والعيش المشترك، ولأن كثير من الإعلاميين والسياسيين رأوا في التغريدة – كالعادة – دعما للإرهاب أتبع الرجل حديثه بتغريدة جديدة قال فيها: "لا يمكن لأى عاقل أن يتصور أن الدعوة للتوافق المجتمعى على نبذ العنف والعيش المشترك تعنى التصالح مع الاٍرهاب".
هذا التوضيح لم يجد مكانه إلى الشاشات كما وجدت التغريدة الأولى، ولم يشفع في فهم واستيعاب التغريدة الثانية، فاعتبروها أيضا تبريرا للإرهاب ودعوة للتصالح مع الإرهابيين، ذلك لأن هجومهم الأول لم يكن نقص فهم، فدون توضيح أو استطراد لا يمكن لراشد عاقل الاعتقاد بأن رجلا استقال من منصبه الرفيع احتجاجا على قتل خصوم أهدروا دمه وقالوا إن حكمه في الدين القتل، يمكن أن يدعو لقتل جنود الجيش أو للتسامح مع قتلتهم.
(2)
"هذه أول مرة نشهد فيها هذا الأمر في عالم كرة القدم، ويجب علينا الآن التفرغ لهؤلاء الشباب والاقتراب منهم ونحتضنهم ونوجههم للطريق الصحيح واستغلال طاقتهم".
قالها عصام عبد الفتاح، رئيس لجنة الحكام السابق، وهو يتحدث عن حالة محمود الغندور، حكم الدرجة الثانية وابن شقيق الحكم الدولي السابق جمال الغندور، الذي تحول فجأة من شاب يمارس الرياضة ويهوي التمثيل ويحب الموسيقى ويبث مقاطع غنائية لنفسه على موقع يوتيوب، إلى مقاتل في صفوف تنظيم داعش في سوريا.
لا يختلف كلام "عبد الفتاح" كثيرا عن كلام البرادعي، لكن أحدا لم يتهمه بالدعوة لاحتضان الإرهابيين، لأن كلامه واضح كما كلام البرادعي، كلاهما يدعوان لاحتواء الشباب وفتح المجال إليهم حتى لا يكونوا صيدا سهلا لجماعات العنف والإرهاب.
هذه الجماعات ليست كتلة جامدة ثابتة، لكنها تتوسع وتكبر يوميا وتستقطب عناصر جديدة من أولئك اليائسين من التغيير السلمي العاجزين عن إخراج طاقاتهم في عمل سياسي علني، ولذلك فإن ضرباتك الأمنية مهما كانت قوتها ودقتها لن تنهي ظاهرة الإرهاب، فكلما سقط إرهابي برصاصك، صنعت سياساتك اثنين.
(3)
قد لا يكون ممكنًا إعادة من اتخذوا العنف منهجا ورفعوا السلاح ضد الدولة، ولكن يمكن اتباع سياسة أكثر انفتاحا تمنع التحاق أعضاء جدد بجماعات العنف والتكفير، ويمكن تقليل عدد الخصوم باحتواء من لم يتورطوا في عنف أو يرفعوا سلاحا، ويمكن التركيز في الحرب الحقيقية مع الإرهاب بإنهاء الحرب المفتعلة مع النشطاء والحقوقيين وشباب الثورة والإعلاميين والمعارضين وحتى المؤيدين المتململين.
يستشهد مسؤولون وإعلاميون بفرض فرنسا حالة الطوارئ بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس مؤخرًا لتبرير أي إجراء استثنائي تنوي الدولة اتخاذه، لكن هؤلاء يتجاهلون أنه بالتوازي مع فرض حالة الطوارئ – التي تحتوي بالمناسبة على ضمانات واسعة لحماية الحريات العامة – كان رئيس الوزراء الفرنسي يعلن عن خطة حكومته لإنشاء مركز فى كل منطقة بفرنسا لإعادة تأهيل المتطرفين أو المعرضين للانزلاق إلى التطرّف، وكشفت الحكومة عن افتتاح أول مركز في الصيف المقبل لاستقبال الأشخاص الذين يبدون نية صادقة فى التخلي عن التطرّف والاندماج مجددا فى المجتمع.
تضع فرنسا خطة ستكلفها ملايين اليوروهات من أجل إعادة دمج المتطرفين في المجتمع إذا أبدوا نية لذلك، مستعدون هناك للعفو عن أشخاص يتبنون أفكارًا متطرفة فعلا، بينما هنا تقوم الدنيا إذا دعا أحد لخروج متهم في قضية تظاهر أو المصالحة مع لم يتورطوا في الدم.
لأن الفارق بين هناك وهنا، أنهم يسعون لمواجهة الإرهاب، وأننا نسعى لاستغلاله سياسيًا.
(4)
بين محاولات تنزيه البرادعي عن أي خطأ، ومحاولات تحميله مسؤولية كل الشرور، يضيع المنطق.
البرادعي ليس ملاكا كما أنه ليس شيطان، هو سياسي يخطئ ويصيب كغيره، لكن الإصرار على تحميل كلامه في هذه القضية ما لا يحتمل ولي عنقه لإثبات أنه يسعى للتصالح مع الإرهابيين، يحرم مصر من فرصة لفتح نقاش حول ترميم بنيانها وتقوية جبهتها الداخلية.
البرادعي ليس ملاكا كما أنه ليس شيطان، هو سياسي يخطئ ويصيب كغيره، لكن الإصرار على تحميل كلامه في هذه القضية ما لا يحتمل ولي عنقه لإثبات أنه يسعى للتصالح مع الإرهابيين، يحرم مصر من فرصة لفتح نقاش حول ترميم بنيانها وتقوية جبهتها الداخلية، هذا نقاش مصيري من أجل اقتصادها قبل سياستها وأهلها قبل ساسييها.
وكما أن هناك من تعميهم كراهيتهم للنظام عن رؤية مصلحة البلد، هناك كثيرون يدعموه وينافقوه ويحاربون خصومه ولو على جثة البلد.