الثورات.. يا ليتها لم تكن

الثورات.. يا ليتها لم تكن

ليلى حلاوة

ليلى حلاوة

30 أغسطس 2015

هل يمكن الإقرار الآن بأنه يا ليتنا ما قمنا بثورة أو أي ثورة.. هل يعد هذا تراجعًا مخلًا، هل يعد خيانة لأحلام شباب ضحوا بحياتهم، وآمال شعوب في عيش حياة أفضل، أم أنها نظرة ضعيفة لسيران الأمور وتقدير الله الذي كان ويكون.

 

تعرفون لما خانتني قوتي الآن.. إنها جثامين الأطفال المحروقة والغارقة في مياه هنا وعلى أرض هناك، كانت أمنيتهم الوحيدة أنهم تمنوا أن يصلوا إلى مكان آمن غير هذا الذي ولدوا عليه وظلموا وقهروا فيه..


خانتني أعصابي وجوارحي فلم أجد سوى دمعات ضعيفات تنزلن بحرقة وأنا أنظر إلى تلك الصور.. جثث بيضاء ماتت في صمت الليل المظلم كصمت القلوب الظالمة، إلى أي حد كانت معاناة هؤلاء الصغار وكيف كانت لحظاتهم الأخيرة، في أي لحظة افترقوا عن أمهم، هل قبل السفر أم في عرض البحر بعد أن خضعت اليد الماسكة بهم في قوة فاستسلمت لقدر القدير فذهب كل في اتجاه.


هل سأظل أسأل نفسي كلما رأيت صورة أو دفعني خبر لقراءته.. ماذا علي أن أفعل، وما حجم الذنب الملقى على عاتقي لأنني لم أفعل أي شىء وليس بيدي فعل شىء سوى التحسر ومتابعة الحياة بحلوها ومرها.


اليوم لم أستطع.. حيث أنني أريد أن أذهب معهم إلى أي مكان فألقى مصيرهم أو ربما أستطيع أن أنقذ أحدهم. ولكن هيهات.. فما بالي سأذهب لحماية أيهم وأنا فقيرة مفتقرة إلى القوة وإلى الشجاعة وإلى أي شىء قد يكون مفيدًا في هذه الدنيا.


السؤال الآخر الذي قد يبدوا أنانيًا في هذه اللحظة: متى سيحين الدور علينا (أقصد نفسي)؟ فالجميع يحاول الفرار إلى أراض الغرب حيث يًشاع أنها الأكثر أمنًا في هذا الوقت الحالي، حيث يجب عليك أن تذهب لمحاولة الحصول على تأشيرة إلى بلد هنا أو هناك، اهرب بأقصى سرعة ممكنة وغير ممكنة واترك الأراضي العربية جميعها فلم يعد عليها مخبأ واحد تستطيع أن تضمن فيه حياة أفضل أو موت كريم لأولادك.


اللهم إني استعيذك بأن يلقى أبنائي وأبناء كل الناس جميعا أجمعين من أن يلاقوا مثل هذا المصير المروع والمشئوم.


ربما حينما تنتابنا هذه اللحظات من الحسرة واليأس لا نرى شيئا حولنا يستحق، وربما نستخف بكل الحوارات والاهتمامات التي تدور حولنا. ربما نريد أن نسكن أو نتجمد أو نصبح بلا إرادة فنندمج مع الكرسي الذي نجلس عليه فنصبح بلا عقل يفكر وبلا قلب يحس وبلا مشاعر متأججة تكاد تحترق. فنصبح في لحظة واحدة لا شىء.. فقط لا شىء.


كان همنا فلسطين وتوريث القضية لأبنائنا حيث أن القضية تلخصت الآن في أنه يجب أن يتم توريثها لأبنائنا لتظل قضية، وليس أمرًا مسلمًا به فتضيع أو تنعكس الآية فتصبح "إسرائيل" هي صاحبة الأرض والفلسطينيون العرب هم المغتصبون؟، ولو أن هذا المعنى لم نعد نجده غريبًا، فقد بدأ يتواجد ويتم الترويج له قلة من بعض الإعلاميين المحسوبين على أنظمتنا السياسية الفاشية. 


ولكن همنا الآن تجاوز كل هم، هم في فلسطين، وثان في العراق، وآخر في اليمن، وهمنا الأكبر في سوريا، والهم المصري العظيم، والهم الليبي المجاور.. بالتأكيد هناك هموم أخرى بعدد الدويلات العربية الغبية.


منذ يومين تناقشنا وزوجي وصديقتنا في وضعنا الحالي، وقلنا: ما كان به مبارك؟، فقد كان رجلًا طيبًا حقًا.. مقارنة بهذا الخراب والعنصرية والفاشية والأيادي القاتلة الإرهابية. قلنا الأمر كأنه مزحة، ولكن هل بالفعل أصبح الأمر مزحة.. هل ما نحن فيه أفضل؟؟!!


هل فعلًا وحقًا كان مبارك أرحم مما نحن فيه؟!


هل كان العالم أفضل قبل هذا التاريخ 25 يناير 2011؟


هل كانت حياتنا أفضل؟


هل كان أبنائنا في أمان؟


أفكر مثلما تفكر في الإجابات المحتملة على هذه الأسئلة.. ولكنني مرتبكة بشدة فلم تعد هناك إجابة جاهزة تلمع في سقف مخي؟ حقيقة لا يوجد أي إجابة.. ما زال جزءًا من عقلي وقلبي متمسكًا بتلك اللحظات السعيدة الفارقة التي لن ننساها ما حيينا، حينما اعترانا الأمل وأخذنا نفكر في مستقبل أفضل لأبنائنا بعيدًا عن كل هذا الماضي البائس.. كنا فرحين مستبشرين وكأن حياتنا لم يعد بها مشاكل ومستقبلنا أصبح مضمونا.. ولكننا لم نكن نعرف بالتأكيد أن هذا الأمل المفعم بالحياة والواقع الذي يؤهل له سيتحول إلى سخطًا وغمًا وبؤسًا ودماءً لا تكف عن الجريان على طول البلاد العربية وحدودها مع الغرب حيث يموت الناس داخل السجون وخارجها وفي الشوارع وعلى الحدود غارقين ومخنوقين ومحروقين.


السؤال الفارق بالنسبة لي: هل أستطيع تحمل مزيدًا من موت هؤلاء الأطفال - ناهيك عن جميع ذويهم - بهذا الشكل المنتفخة فيه بطونهم في قلب عتمة الليل جارفة الأمواج إياهم إلى أقرب شاطىء، عائدة بهم إلى أرضهم التي تركوها أحياء فارين من غضبها وظلمها وموتها القاسي البطىء أو السريع، أو آخذة إياهم - تلك الأمواج - إلى شاطىء آخر تمنوا الوصول إليه أحياء كي يعيشوا أمناء وربما سعداء، شاطىء يتسم في ظاهره بالحرية واحترام جميع الحقوق (الحيوان قبل الإنسان)، ولكنه قابل ومتضامن سرًا مع ما يحدث لهم على أرضهم حيث أن الصمت علامة القبول، والجميع صامتون. لأن مصالحهم تقتضي ذلك.


إجابة هذا السؤال هي الوحيدة المتوفرة لدي.. حيث أنني أريد أن يعود الزمن إلى حيث لا يوجد قطرة دم واحدة. ولا دمعة واحدة على ابن واحد وفلذة كبد فارق الحياة.


اللهم ثبتنا وهدىء من روع جميع الآباء والأمهات المكلومات والثكالى.