
أزمة الشيخ سالم عبد الجليل بين السياسة والدين

خديجة جعفر
16 مايو 2017
استطاع الشيخ سالم عبد الجليل الوصول تفسير الآية (90) من سورة آل عمران، في برنامجه "المسلمون يتساءلون" على قناة المحور الفضائية قبل أن يثور ضدّه ردّ فعل هائل أدّى ليس فقط إلى إنهاء تعاقده مع القناة، ولكن إلى مواجهته بتهمة ازدراء الأديان أمام المحكمة في الرابع والعشرين من يونيو القادم.
الشيخ سالم عبد الجليل كان يتكلّم بنفس الكلام الذي تعلّمه في المعاهد الأزهرية، والذي ينصّ مضمونه أنّ التعايش السلمي بين الدينين ممكن وواجب على رغم الاعتقاد الإسلامي "بفساد العقيدة المسيحية".. يقول: "...ونعيش مع بعض في هذ العالم مش بس حتّى في الوطن، نعيش في هذا العالم متحابين ومتوادين ومسالمين، يسالم بعضنا بعضًا، ليكو عندنا المحبّة والمعاملة الطيبة الحسنة، إنّما من حيث العقيدة لازم تعرف كويس أوي إنّه لأ، ليست عقدية صحيحة".
ولكن لم يعرف الشيخ سالم أنّ ما تعلّمه في الأزهر ثمّ قاله على الهواء مباشرة سيودي به إلى المحكمة.
جاء ردّ فعل الأزهر حاسمًا، إذ أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا في اليوم التالي قائلاً فيه أنّ "الأزهر لا يملك تكفير النّاس".. بيان مجمع البحوث بدوره أثار زوبعة جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي انشغل مستخدموها بالجدال في المحتوى العَقَدي نفسه دون التفات إلى أنّ الحلقة كانت لتمرّ دون ضجيج لو كانت أذيعت في سياق سياسي سابق.
في تصوري، فإنّ موقف الأزهر من تفسير الشيخ سالم عبد الجليل للآية الكريمة هو موقف سياسي، وليس دينيا، فالشيخ سالم لم يقل أكثر ممّا تعلّمه في الأزهر. ولكنّ الأزهر في موقف محرج مع الدولة بعد الهجمة الإعلامية عليه بعد تفجيري أحد الشعانين لمحاولة تحميله مسؤولية دماء الضحايا الأقباط، وهي الهجمة التي لم يوقفها سوى زيارة البابا فرنسيس الثاني للقاهرة، التي اتسّمت بالكثير من الودّ مع شيخ الأزهر.
وعلى رغم أنّ المنوط بتأمين الكنائس وحمايتها، وعلى الأخصّ في أوقات الأعياد والصّلوات، هي الجهات الأمنية كما هو معروف، وليس الأزهر؛ فإنّ الأزهر وجد نفسه في مرمى الهجوم الإعلامي الذي اتّهم الخطاب الديني بمسؤوليته عمّا حدث من هجمات على الكنائس في محاولة يائسة من الدولة لتصدير مسؤولية "حقن الدماء" إلى الأزهر، ورفع المسؤولية عن كاهلها.
فموقف الأزهر من أقوال سالم عبد الجليل وتحميله المسؤولية كاملة ووضعه في إطار من يعبّر عن رأيه، وليس في إطار عالم الدين المؤهّل لتعليم النّاس الدين، بالإضافة لتأكيد البيان أنّ المنوط بتمثيل الأزهر هو شيخ الأزهر فقط، هو حلّ سياسي في محاولة للخروج السريع من أزمة ستعيد الأزهر هدفًا للهجوم. يريد الأزهر إذًا أن يضبط من يتكلّم وبم يتكلّم وعلى أيّ منبر يتكلّم.
أمّا على مستوى جدالات التواصل الاجتماعي، فإنّ المنشورات اتّجهت في الاتّجاه الخطأ فالسؤال الذي كان يجب طرحه: هل يمكن في الحقيقة استخدام الوسائل الإعلامية في "الجدل في العقائد" حيث يدخل ما قاله سالم عبد الجليل في باب الجدل، فهو يجادل أهل ديانة أخرى في عقيدتهم على رغم أنّ منطوق الآية القرآنية التي كان بصدد تفسيرها لا تشير إلى أي جماعة بشرية دينية ولا إلى أيّ دين. تقول الآية "إنّ الذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبَل توبتهم وأولئك هم الضّالون" (آل عمران: 90).
هل يمكن من الأساس تفسير القرآن الكريم في قناة تلفزيونية خاصّة على الهواء مباشرة؟ لماذا يفسّر القرآن في قنوات تلفزيونية على الهواء مباشرة؟ هل هذا لهدف تربوي؟ أم هدف "دعوي"؟ إن كان الأوّل، فلن يصحّ لأنّ جمهور القنوات التلفزيونية جمهور غير محدّد، وبالتأكيد فإنّ التربية لا يمكن أن تكون لغير معيّنين. وإن كان الدعوة، فهل هذه هي الموعظة الحسنة التي أمر بها القرآن نفسه؟
بل إنّ ممّا قاله الشيخ سالم يقع في خانة تصفية الحسابات وتسجيل المواقف على الآخرين، فالشيخ سالم انتقد مشايخ أزهريين يقولون بإيمان المسيحيين. فما قاله إذًا لا يقع في إطار التربية ولا يقع في إطار الدعوة، ولا يقع في إطار الكلمة الحسنة التي يمكن قولها على الهواء مباشرة. بل إنّ القرآن نفسه، حين يجادل أهل الديانات الأخرى، كان لا يمدّ في حبل الجدل حرصًا على الألفة كما يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق. وكثيرًا ما تنتهي آيات الجدل بمثل قوله تعالى: "إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه مختلفون".
الإعلام ليس مساحة للجدل في العقائد إذًا، بل إنّ رعاة الحوار بين الأديان أدركوا أنّ محاولات الجدال في العقائد عمومًا محاولات فاشلة، فما يميز الأديان عن بعضها هو الاختلاف في العقائد وليس التقارب. وأيّ محاولة للجدل في العقائد ستصبّ في النهاية في بحور السياسة متلاطمة الأمواج.