آخر قوافل المهجّرين

آخر قوافل المهجّرين

خديجة جعفر

خديجة جعفر

23 مايو 2017

 

فيما كان العالم يتابع خطبة ترامب في الرياض يوم الأحد الماضي 21 مايو، وفيما كان قادة خمس وخمسين دولة مجتمعين لمحاربة "الإرهاب" كانت آخر قوافل المهجّرين من حيّ الوعر، تغادر حمص باتّجاه إدلب وجرابلس في الشّمال السّوري. وفي نفس الوقت، كانت آخر قوافل المهجّرين تغادر حيّ برزة الدمشقي باتّجاه الشّمال كذلك.

 

لا أزال أذكر صيف العام 2011 حين قابلت الشاب ناصر، القادم من حمص في ميدان التحرير. حينها أخبرني ناصر بكلّ ثقة أنّ النّظام سيسقط في غضون شهور قليلة جدًّا، وأنّه عائدٌ إلى حمص، إلى بيته، ومدينته وجامعته ليواصل دراسته. لم يعد ناصر إلى وطنه، وعلى الأغلب، لن يعود. فقد فرضت القوات الروسية والسورية سيطرتها أمس الاثنين على المدينة بالكامل، ورُفع العلمان الروسي والسوري في حيّ الوعر، بعد خروج آخر قوافل المهجّرين.

 

في فبراير 2014 كانت أوّل اتفاقية تهجير على الإطلاق، يبرمها النّظام السوري مع الثوّار والمجاهدين في حمص الذين خرجوا بموجبها من حمص القديمة، واتّجهوا إلى حيّ الوعر في حمص كذلك. فلم يكن هناك إدلب محررة بالكامل بعد، ولم يكن هناك بالطبع شريط حدودي محرّر. أمّا باقي المدينة، فقد نزح أهلها أو سافروا إلى مصر وتركيا هربًا من براميل الموت قبل ذلك التاريخ.

 

حوصر حيّ الوعر، الذي نزح إليه آلاف من المدنيين منذ أكتوبر 2013، وظلّ أهله تحت شدّة الحصار، حتّى أُبرم اتفاق أوّل برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر 2016، ثمّ أبرم اتفاقٌ ثانٍ برعاية روسيا هذه المرّة في مارس 2017. شاهد/ي هنا هذا الوثائقي القصير الذي يحكي قصّة حيّ الوعر.

 

خلت حمص من الثوّار، وغدت "أيقونة الثورة بلا ثوّارها" كما يقول أسامة أبو زيد في جريدة المدن. ولم يعد بإمكان ناصر، الشاب الحمصي، العودة لحمص. سيطرت الشرطة العسكرية الروسية على المدينة، ورفعت العلمين الروسي والسوري؛ في حين أعلن محافظ حمص "آمنة من المسلحين."  سيبقى الحماصنة في الشتات غير آمنين علىى أنفسهم إن فكّروا في العودة.

 

التحقت مدينة حمص إذًا في مايو 2017 بمدينة حلب التي استولى عليها الروس والإيرانيون والسوريين الموالون في ديسمبر 2016. ريفُ حمصَ الشّمالي فقط لا يزال تحت سيطرة الثوّار، لا يزال يلوّن بلون الثورة الأخضر على الخريطة. فهل نشهد الأسابيع القادمة قصفًا مكثفًّا عليه لإخراج الثورة منه؟

 

وكما أجهز التحالف الروسي السوري على مدينة حمص، فقد أجهز على دمشق. ففيمَ كانت آخر قوافل المهجّرين تغادر حمص دون رجعة، كانت آخر قوافل المهجّرين تغادر حي برزة الدمشقي بلا عودة كذلك.

 

إذا نظرت إلى الخريطة الآن عزيزي القارئ، فلن تجد من مناطق الثورة الخضراء القريبة من دمشق سوى غوطتها الشّرقية. سيتفرّغ لها التحالف الروسي السوري الآن لإفراغها من أهلها.

 

سيصعب علينا الآن تصديق أنّ روسيا تستعدّ لشنّ هجمات على الغوطة الشرقية وعلى ريف حمص الشّمالي! وأنّها ستهدف إلى تفريغهما من الثورة، وعلى الأخصّ الغوطة الشرقية. ولكن من كان يصدّق قبل سنوات قليلة أنّ الآلاف القاطنين في حمص وفي حلب وفي الغوطة الغربية سيخرجون من ديارهم؟

 

الحرب أمدها طويل. والثورة السورية ليست على أجندة الأولويات الإقليمية، والحرب على الإرهاب باتت القوة الدافعة والمحرّكة للعلاقات الدوليّة، والتي تحرّك العلاقات الإقليمية بدورها. والثوّار والمجاهدون في الداخل السوري ممزقّين مشتّتين، يحاربون بعضهم بعضًا عوضًا عن التوحد تجاه عدوّهم. وبين الداخل والخارج، انتهت الثورة السورية لواقع مؤلم.