حكايات الزيارات.. رفيقات الزيارة (6)

حكايات الزيارات.. رفيقات الزيارة (6)

خديجة جعفر

خديجة جعفر

06 يونيو 2017

 

تعرّفت عليهن في زيارات السجن. هنّ الخفيّات الصابرات، الصامدات القويّات.

 

أوّلهنّ: نيفين سعد، زوجة الصحفي محمود مصطفى سعد المعتقل من مطار القاهرة أثناء سفره للخارج منذ 23 أكتوبر2015 والأم لثلاثة أطفال: حبيبة ويوسف وعلي. تأتي نيفين إلى سجن طرة مرّة في الأسبوع، وتحدب على زوجها دون كلل أو ملل. أخذوا منها "رفيق العمر" كما تحب دائمًا أن تكتب وتعبّر،  على صفحتها على فيس بوك، عن معاناتها ووحدتها بعد أن خُطِف منها زوجها في ليلة كانت تستعدّ لتكون بداية حياة جديدة وواعدة لأسرتها الصغيرة. لا تدري نيفين لمَ اعتقل زوجها ولمَ يجدّد له التجديد تلو الآخر في مدٍّ زمني غير معلوم نهايته. تغيرت حياة نيفين، وأصبحت بين السجن ورعاية أطفالها وحيدة دون معونة أبيهم، بل ودون إنفاقه ورعايته. أخيرًا كتبت نيفين على صفحتها على فيس بوك مناجية الله وحده بعد انتظار زاد على عامٍ ونصف: "ألم تسمع ليعقوب في شكواه، ورددت إليه يوسف وأخاه، وبرحمتك وعنايتك ارتدّ بصيرًا وعادت إلى النّور عيناه... ردّ إليّ رفيقي يا الله."

 

ثانيتهن، رفيدة الصفتي، زوجة الصحفي محمد البطّاوي الذي اعتقل في يونيو 2015 والتي تحكي قصّة كفاح هي الأخرى. كانت رفيدة على وشك الانتهاء من رسالتها للماجستير  ومناقشتها حين اقتُحم بيتها وأُخذ منها حاسوبُها وزوجها. أصبحت رفيدة مشغولة ما بين العمل لدعم أسرتها الصغيرة، وتربية ابنتها سندس وبين زيارات السجن.

 

ثالثتهن، آية علاء حسني، التي اعتقل زوجها الصحفي حسن القباني في يناير 2015. آية تختلف عن رفيدة ونيفين في أنّ زوجها محبوس في سجن العقرب شديد الحراسة. قد تمنع الزيارة لشهور كما هو حادثٌ الآن، وقد تفتح، ولكن ليس لأكثر من مرّة كل أسبوعين. وجدت آية نفسها أم وحيدة لطفلتين، الكبرى في الرابعة والصغرى في الثانية. كان عليها أن ترعى الطفلتين وتعمل وتدأب على زيارات السجن بما يسبقها من إعداد وطهي طعام يستغرق مجهودًا كبيرًا، بالإضافة لدعمها الدائم وتذكيرها بقضية زوجها.

 

رابعتهن وآخرتهنّ هي الأستاذة الدكتورة منار الطنطاوي، زوجة الأستاذ هشام جعفر المعتقل من أكتوبر 2015. لا يوجد مثل الدكتورة منار في استغراقها التام في محنة زوجها ودعمها اللامحدود له. فللأستاذ هشام وضعٌ خاص، فهو معتقل سجن العقرب شديد الحراسة، وهو مريض بمرض ضعف البصر، ومرض تضخم البروستاتا. وكان الأولى به أن يكون في بيته ومع أولاده؛ ولكن شاءت دولة القمع أن تجعله رهين المحبسين. تحوّلت حياة الدكتورة منار تحولاً جذريًّا بعد اعتقال زوجها. فبعد أن كانت على وشك تسليم أبحاث الترقية لدرجة الأستاذية في كلية الهندسة، وجدت نفسها بين زيارات السجن، وبين النّشاط الدائم لدعم قضية زوجها. تبذل الدكتورة منار مجهودًا كبيرًا لأجل استقرار وضع زوجها الصحّي في السجن. في أحيانٍ كثيرة، كان التشديد على سجن العقرب يخفض سقف طموحها من المطالبة بحريته إلى مطلب بسيط وهو إدخال الدواء! مدّةُ ما يزيد على العام والنصف كانت كافية لكي تنهي الدكتورة منار العديد من الأبحاث وتحصل على درجة الأستاذية، فصارت عوضًا عن ذلك في محنة تدع الحليم حيران.

 

النساء الصّابرات المبتليات بمحنة اختفاء الزوج في غياهب السجن، المعيلات لأنفسهن وأطفالهن، الصابرات على أذى تشريد أسرهن اللواتي لا يسلّط الضوء عليهن عادةً لخفائهنّ، هنّ المستحقّات للتقدير والإشادة.