
حكايات الزيارات.. الإخوة الخمسة وسادسهم (7)

خديجة جعفر
13 يونيو 2017
"سجون طرة" تقع داخل القاهرة، فيمكنك أن تمرّ عليها إذا كنت سالكًا طريق الأوتوستراد ومتجهًا إلى حيّ حلوان. يمكنك كذلك أن تصل إليها من خلال المواصلات العامّة مثل أتوبيس نقل عام، أو ميكروباص نقل خاص، وبأجر زهيد. ولكنّ سجون طرة تقع خارج القاهرة في ذات الوقت؛ إذ يستوي كونها داخلَ المدينة أو خارجها بالنسبة إلى المسجونين، فهم في كلتي الحالتين معزولين. وسجون طرة تقع خارج المدينة كذلك بالنسبة إلى سكّان حيّ المعادي الذين قد لا يعرفون عن وجود مجمّع السجون هذا شيئًا سوى أنّه سور طويل يقع على طريق الأوتوستراد لمصلحة تابعة لوزارة الداخلية.
منطقة سجون طرة تكاد تكون مثل التجمّع الكبير (الكومباوند) ولكن للمسجونين وليس للمواطنين ذوي الدخل الاقتصادي المرتفع، إذ حينما يُسمَح لك بالدخول إلى "منطقة السجون" بعد أن تجرّد من أي وسائل اتّصال، يصبح الأمر وكأنّك في داخل مدينة كبيرة ذات مرافقها الخاصّة، والتي تكاد تكون مستقلّة عن المدينة الكبيرة التي تقع فيها.
والأمر الذي يثير الانتباه، هو أنّ منطقة سجون طرة كانت تحوي مساحات شاسعة خالية تكفي لبناء سجون جديدة داخل المنطقة. وهو ما حدث بالفعل، إذ بني سجن 992، شديد الحراسة 1 عام 1995، وهو المعروف بسجن العقرب، وبُني سجن شديد الحراسة 2 في عام 2014.
تنقسم منطقة سجون طرة إلى منطقة سجون طرة (أ) الواقعة على كورنيش النيل، والتي تستقبلك فور نزولك من محطة طرة البلد، وفيها سجنان: المحكوم والليمان، بالإضافة إلى مستشفى ملحقة بالسجن. ويستقبلُ الليمان المحكومين بالمؤبدات والمدد الطويلة، ويستقبل سجن المحكوم المحكومين بمدد قصيرة نسبيًّا. وقد أنشئ الليمان قبل ما يزيد على قرن، وتحديدًا عام 1896، ثمّ بنيت منطقة سجون طرة (أ) في عام 1928 ثمّ أنشئت بعد ذلك منطقة سجون طرة (ب) التي تقع على طريق الأوتوستراد.
لن يمكنني أن أحدثكم كثيرًا عن منطقة سجون طرة (أ) فلا أعلم عنها شيئًا سوى واجهتها الخارجية التي يمكن لأي نازل من محطة طرة البلد أن يراها. أمّا منطقة سجون طرة (ب) فهي التي أزورها بانتظام مرة في الأسبوع منذ عامٍ ونصف.
تشمل منطقة سجون طرة (ب) خمسة سجون رئيسة: سجن "الاستقبال والتوجيه" وسجن "عنبر الزراعة" وسجن "المزرعة العمومي." وهذه السجون قديمة، ولا يسعني تحديد تاريخ إنشائها الفعلي. وسجنان شديدا الحراسة: شديد الحراسة 1 وشديد الحراسة 2 الذين أنشئا كما ذكرنا في 1995 و2014 على التوالي.
السجن الأوّل هو سجن "الاستقبال والتوجيه" الذي يبدو من اسمه أنّه كان معدًّا لاستقبال السجناء ثمّ توجيههم للسجون التي سيقضون فيها فترة عقوبتهم. ولكنّ الحال، منذ 2013 ليس كذلك. فسجن الاستقبال يحوي عددًا كبيرًا من المسجونين احتياطيًّا والمحكومين السياسيين. لا أعلم إن كان في سجن الاستقبال، عدد من السجناء الجنائيين أم لا. ولكنّ المعروف عنه أنّه سجن شديد الازدحام، إذ تحوي كل خليّة في السجن أضعاف سعتها. والغالبية من السجناء في سجن الاستقبال هم من الشباب.
السجنان الثاني والثالث هما سجنا عنبر الزراعة والمزرعة العمومي وهما قديمان. وفيهما يأخذ السجين غالبًا لقب "نزيل" ومعظم المسجونين فيه من المحبوسين احتياطيًّا والمحكومين في قضايا الأموال العامّة والقضايا الجنائية. ومن النادر أن يضمّ هذا السجن عددًا من السجناء السياسيين أو سجناء الرأي. من السجناء السياسيين القليلين المحبوسين فيهما: اسماعيل الاسكندراني الذي يقضي فترة حبسه الاحتياطي في سجن المزرعة العمومي، وعلاء عبد الفتاح الذي يقضي مدّة حكمه في سجن عنبر الزراعة.
وفي هذين السجنين، يظهر النهج التأهيلي الذي كان يتّسم به قطاع مصلحة السجون فيما سبق، وهو ما يظهر من اسمهما كذلك. كُتب على يافطة فور دخولك السجن: "أيها المواطن: إن رسالة السجون رسالة سامية. هدفنا الإصلاح والتهذيب. هذا قطاع إنتاج حيواني وزراعي وداجني".
فهناك أراضٍ مخصّصة للزراعة والإنتاج النباتي والحيواني والداجني بالفعل داخل منطقة سجون طرة. وأذكر أنّه في الزيارة التي سبقت عيد الأضحى، رأيت ما يقرب من خمسة عشر عجلاً خارجًا من سجون طرة وجاهزًا للذبح يوم عيد الأضحى. وبعض السجناء الجنائيين يكسبون عيشهم من العمل في هذا القطاع.
أمّا السجنان الرابع والخامس فهما الشديدان: شديد الحراسة 1 وشديد الحراسة 2، وهما سجنان حديثان كما ذكرنا، ومبنيان على نمط السجون المشددة الحديثة التي يُهدف منها عزل السجناء لا تأهيلهم باعتبارهم "شديدي الخطورة" وأغلب من في سجن العقرب هم من سجناء الإخوان المسلمين، وأغلب من في شديد الحراسة 2 هم من الشباب ذوي التوجّه الإسلامي.
أمّا سادسهم فهو سجن "ملحق المزرعة" الذي يتبع سجن المزرعة العمومي، وهو في الأصل فيلا بناها المهندس خيرت الشاطر، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، عام 2007 على الأغلب، حينما واجه حكمًا بالسجن وصل إلى سبع سنوات بموجب حكم محكمة عسكرية استثنائية. تحوي الفيلا ما بين 13-14 غرفة مسجون فيها الآن كبار قيادات الإخوان.
آخر ما أودّ قوله عن مجمّع سجون طرة، أنّ تمثالاً جميلاً كان منصوبًا ما بين سجن المزرعة وسجن 992. كنت أتسلّى به في فترة انتظاري الطويلة أمام سجن المزرعة ترقبًا لوصول الموافقة الأمنية بالسماح بزيارة زوجي. هذا التمثال الذي كنت أراه من بعيد، يشابهُ التماثيل الإغريقية. وكان هو أثر الجمال الوحيد الذي أراه وسط قبح السجون. وحين قرأت عن تاريخ منطقة "طرة" علمت أنّ اسمها مصري قديم، وأنّ هذه المنطقة هي منطقة محاجر، كانت في سالف الأزمان تستخدم حجارتها في صنع التماثيل. فهمت أصلّ التمثال ومنطق وجوده في هذا المكان. في وقت ما خلال العام الماضي، هُدم التمثال، ولم يبدُ لي أنّ هناك سبب لهذا الهدم سوى أنّ قبح المكان يلفظُ أيّ جمال ولو كان أثرَا.