
حكايات الزيارات.. العيد (8)

خديجة جعفر
27 يونيو 2017(1)
الزمان: يوم السبت 29 رمضان 1438 - 24 يونيو 2017
المكان: أمام منطقة سجون طرة (أ) كورنيش النيل، المعادي
يوم شديد القيظ، هو آخر أيام رمضان...أقابل العزيزة نيفين زوجة الصحفي محمود مصطفى أمام منطقة سجون طرة (أ) قبل أن أغادر إلى منطقة سجون طرة (ب) لزيارة زوجي المسجون في سجن المزرعة أنا الأخرى.
أخبرتني نيفين أنّ زوجها نُقِل منذ مدّة مع سجناء سياسيين آخرين إلى سجن التحقيق في منطقة سجون طرة (أ) بعد أن قضى سنة ونصف من الحبس الاحتياطي في سجن الاستقبال في منطقة سجون طرة (ب). وهي إذ تتكبد مشقةً أكبر في زيارة هذا السجن إلا أنّ سجن التحقيق أفضل بكثير من سجن الاستقبال بالنسبة لزوجها السجين، ففي هذا السجن ساحات جيدة للتريض مكشوفة للشمس. تقول نيفين أنّ زوجها لم يتعرض للشمس طيلة عام ونصف حين كان مسجونًا في سجن الاستقبال.
عرّفتني نيفين على والد الصحفي المعتقل شوكان "محمود أبو زيد" الذي كان يزور ابنه في آخر أيام رمضان. شوكان لا يزال رهن الاعتقال في سجن التحقيق منذ يوم فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس 2013، ذلك الأربعاء الأسود الذي غيّر وجه مصر. سألني والد محمود: "إلى متى سيستمر الوضع هكذا على ما هو عليه؟" تهت في سؤاله لحظات، ثمّ لم يكن ردّي سوى أنّ "حيلة من لا حيلة له الصبر." وافقني أبو محمود، وإن كان تمنى أن يسمع جوابًا آخر.
كان يجلس مع والد شوكان والد معتقل آخر لم أعرف اسمه، ولكن عرفت قصته من والده. كان ابنه يعمل ويدرس في آنٍ وتزوج ليلقى عليه القبض بعد زواجه بستة أشهر ويلقى في السجن. يقول الوالد: "أكمل ابني ليسانس الحقوق في السجن...كنت أتمنى أن أمول له مشروعًا بالمال الذي أنفقته على سجنه...إلى الآن أنفقت عليه 250 ألف جنيه!" يواصل هذا الوالد مسؤوليته عن ابنه في الوقت الذي كان يتمنى أن يستريح قليلاً بعد استقلال ابنه، ولكن أبت السجون إلاّ أن يجيء الوالد كل إلى طرة كل أسبوع لمواصلة رعايته لابنه.
(2)
الزمان: أول أيام العيد
المكان: أمام منطقة سجون طرة(ب)، الأوتوستراد، المعادي
ساحة سجن طرة مزدحمة بما يليق بمناسبة مثل العيد! ولكن ثمّة مناسبة أخرى وهي أنّ عددًا من الذين صدر بحقّهم "عفو رئاسي" سيخرجون في أول أيام العيد. زحام شديد، وجلبة وفوضى تليق بهذا الحدث المهم.
سرت نحو الطابور لآخذ فيه دوري وأستمر في مراقبة فرحة الأهالي ذوي السجناء المعفو عنهم، والمترقبين لخروجهم. استعدادات في السجن تجري على قدم وساق، خيول ستة تصطف في خطين متوازيين تأهبًا للطفطف الذي سيصل حاملاً المساجين المعفو عنهم.
في الطابور، وقفت بجوار سيدة جاءت لزيارة ابنها. تعرفت عليها لنتبادل القصص. ابنها هو علي عطيتو، وهو قريب للشاب إسلام عطيتو الذي صُفّيَ فور خروجه من امتحانات كلية الهندسة في مايو 2015. قالت لي: "عائلة عطيتو منها شهيد" وواصلت الكلام عن ابنها الذي لم يبلغ من العمر عشرين عامًا، والذي اعتقل في سبتمبر 2016 وأخفي لمدة أربعة أشهر لم تذق فيهم الأم شيئًا من راحة البال، وليظهر بعد ذلك في سجن الاستقبال. وتحكي لي كيف اعتقل ابنها، تقول أنّ صديقَ ابنها ألقي القبض عليه حين مرّ على نقطة مرور حيث كان مطلوبًا للأمن، ثمّ عذّب تعذيبًا شديدًا ليعترف على أصدقائه الذين كانوا ينزلون معه للشارع للتظاهر. هذا الشاب، حسبما تحكي أم علي، قد سجن في العقرب، أمّا أصدقاؤه الذين ألقي القبض عليهم في رحلة مصيف فقد، ومنهم ابنها، فقد أودعوا سجن الاستقبال.
كانت زائرة أخرى منتقبة تشاركنا الانتظار في الطابور، لديها من الأطفال ثلاثة جاؤوا لمعايدة أبيهم المسجون في سجن الاستقبال. تقول الزوجة: "نحن نسكن في الجيزة، و لذا ضعوا زوجي في قضية تنظيم ولاية الجيزة، إلى الآن لا يوجد أحراز للقضية ولذا فتأجيلها مستمر دومًا" لم أسمع بهذه القضية من قبل، ولم أسمع عن معتقلين فيها سوى زوج هذه السيدة، الذي يبدو أن مظهره السلفي ومسكنه في الجيزة جنيا عليه.
وصلت غرفة الانتظار حيث كنت أحاول أن أراقب الساحة من شبابيك الغرفة لأرى وصول المعفوّ عنهم. نادتني "إسراء" من بعيد، وهي ترتدي ثوب عيد جديد ! كانت فرحة للقاء عريسها "عمر" الذي أودع السجن ظلمًا واتّهم باتهامات هو منها براء. تأتي "سارة" التي قبض على زوجها من مظاهرة، وحكم عليه بمئة ألف جنيه غرامة، لتعايد علينا وتسلّم. زوجها هو الآخر مسجون في سجن الاستقبال.
(3)
أطفال كثيرون يملؤون غرفة الانتظار جاؤوا لمعايدة آبائهم في السجن، وزوجات صابرات أتين مع أطفالهن لقضاء العيد في السجن، أتأمّل ما حولي وأتحدث أحيانًا وأصمت أخرى، في مقاومة بائسة ألاّ يتحول هذا المشهد في نظري إلى مشهد طبيعي!