
هل تعلمون ما هو أفظع من القتل؟

طاهر مختار
14 مايو 2015
الحياة هي أثمن ما في الوجود، بل الحياة هي التي تعطي للوجود مجالا ليدركه الإنسان، وبدون حياة البشر مجتمعة والتي هي مجمل حياة كل إنسان عاش على الأرض منذ سكنها الإنسان لم تكن هذه الحضارة لتتواجد على هذا الكوكب، وقد جاءت جميع القوانين والشرائع والأديان لتجرم وتحرم سلب هذه الحياة من الإنسان وإنهاء وجوده بالقتل.
ورغم بشاعة القتل بكل أشكاله وبكل سبل جرائم ارتكابه، ولكن هل هناك ما هو أسوأ من القتل؟
نعم، هناك ما هو أسوأ من القتل وهو نوع خاص من القتل يتمثل في القتل البطيء لإنسان مريض يتألم ويعاني من مرضه وهناك إنسان أو جهة ما تمنعه من الحصول على العلاج والوصول إلى الخدمة الطبية حتى الموت رغم إمكانية الحصول على هذه الخدمات في الظروف الطبيعية.
منع العلاج ـ رغم توفره ـ حتى الموت هو جريمة قتل عمد دون أي قدر من المبالغة، وهذه الجريمة ليست أمرا نادر الحدوث كما قد يظن البعض، بل يحدث كل يوم تحت أنظار مسئولي الدولة وبعلمهم، يحدث في سجونها ومعتقلاتها وأقسام شرطتها وفي كل أماكن الاحتجاز فيها، يحدث أن يتألم المعتقلون والمساجين ويصرخون من المرض أو يصرخ من حولهم لعدم قدرة الضحايا على الصراخ وقتها من شدة الألم أو لأن المرض جعلهم أضعف من أن يصرخوا بصوت مسموع أو لفقدانهم الوعي طالبين نقلهم للمستشفى للعلاج لأنهم يموتون فلا يستجيب لهم أحد.
منع العلاج عن المساجين والمعتقلين في أماكن الاحتجاز حتى الموت رغم توفره ـ ولن أمل من التكرار ـ هو جريمة قتل عمد وليس إهمالا طبيا كما يطلق عليه البعض، فالإهمال الطبي هو ذلك الإهمال المعتاد في المستشفيات الحكومية لدولة لا تهتم بصحة مواطنيها الفقراء ولا تخصص لهم سوى جزء ضئيل من ميزانيتها العامة للإنفاق على صحتهم، فهم في النهاية يستطيعون الذهاب إلى أماكن تقديم الخدمات الصحية ولكنهم لا يتمكنون من الحصول على خدمات طبية لائقة بهم من مقدمي الخدمات الصحية بسبب ضعف الكفاءة والتدريب أو ضعف الإمكانيات الموجودة مما يتسبب في مضاعفات لهم قد تصل إلى الوفاة.
وما سبق يختلف عن منع تقديم الخدمة الصحية في المكان المناسب للمعتقلين خاصة أنهم ليست لديهم فرصة الحصول على العلاج ولا الوصول لأماكن تقديم الخدمة سوى بأوامر سجانهم وفي الأماكن التي يحددها لهم وليس لهم إمكانية اختيار المستشفى الذي يحصلون فيه على الخدمة حتى لو كانت لديهم الإمكانيات المادية اللازمة للحصول عليها في المستشفيات الخاصة فيخسرون فرصة للعلاج وللشفاء ـ مهما كانت محدودة ـ متوفرة لدى من هم خارج السجن، وهذا لا يعفي الدولة من مسئوليتها عن صحة وأرواح مواطنيها خارج السجون خاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود نتيجة عدم اهتمامها بتخصيص جزء كافٍ من الميزانية لصحتهم وانحيازها في مقابل ذلك لكبار موظفيها ولمؤسساتها من جيش وقضاء وشرطة وهي المؤسسات التي تستخدمها الدولة لحماية نفسها وتغدق عليها العطاء وتخصها بالجانب الأكبرمن ميزانيتها وهي السياسات التي تعكس انحياز من يحكمونا لأنفسهم وليس للشعب الذي يحكمونه.
بالأمس القريب توفي القيادي الإخواني د.فريد إسماعيل عضو مجلس الشعب السابق المسجون في سجن العقرب نتيجة جلطة في المخ بعد حرمانه من العلاج أحيانا ومن العلاج في المكان المناسب لحالته الصحية أحيانا أخرى بسبب تعنت الداخلية طوال شهر ونصف بحسب ما جاء في الائتلاف العالمي للحريات والحقوق وهي جريمة قتل عمد من الدولة ضده.
وجريمة قتل د.فريد إسماعيل ليست الأولى ولن تكون الأخيرة طالما استمرت الدولة في نفس السياسات التي لا تلقي للإنسان بالا وتنظر للسجين سواء كان حبسه احتياطيا أو لتنفيذ عقوبة على أنه إنسان منزوع الحقوق، ويزداد الأمر سوءا عندما يطول المعتقلين السياسيين الذين تنظر إليهم الدولة على أنهم خصومها فتعمد إلى تصفيتهم في سجونها.
شكل تلقائي كلما علمت بخبر وفاة سجين في مكان احتجازه تقفز إلى ذهني قصة وفاة المرحوم حسن شعبان الشاب الذي توفي أثناء حبسه احتياطيا في سجن الغربانيات في برج العرب يوم 13 فبراير 2013 وهو يبلغ من العمر 35 عاماً وقتها بعدما تم القبض عليه عشوائيا قبلها بأيام في أحداى تظاهرات سيدي جابر بالإسكندرية والتي كانت يوم الجمعة 8 فبراير 2013 وقت حكم الإخوان، وقد كان المرحوم يعاني من داء السكري وقصور في الشرايين التاجية للقلب ورفرفة أذينية وقد كان محجوزا في العناية المركزة لمستشفى جمال عبد الناصر للتأمين الصحي في الأيام الأخيرة لشهر يناير من نفس العام أي قبل الأحداث بأقل من 20 يوماً، وقد حاولت ـ بصفتي كنت عضوا في مجلس نقابة أطباء الإسكندرية وقتها ـ مع أهله وبعض محامي حقوق الإنسان إدخال العلاج له في محبسه أو نقله إلى مستشفى لعرضه على طبيب ولكن لم تجدِ محاولاتنا، وقد رفض مسئولي السجن إدخال الإنسولين له لأنه يحتاج الحفظ في الثلاجة ولا يوجد ثلاجة عندهم للمساجين، فكانت النتيجة وفاة حسن شعبان بسبب حرمانه من حقه في العلاج!
حالة المرحوم حسن شعبان هي مشهد كلاسيكي صارخ لحالة قتل عمد نتيجة الحرمان من الحق في الصحة في أماكن الاحتجاز، المسئولية المباشرة فيها كما في كل الحالات المماثلة الأخرى هي مسئولية وزارة الداخلية المسئولة عن إدارة أماكن الاحتجاز في مصر والنيابة العامة أيضا التي لها التي لها حق مراقبة أماكن الاحتجاز وبالتالي تشارك الداخلية المسئولية المباشرة عنها وعن الجرائم التي تحدث بها نتيجة غض النيابة للطرف عن جرائم الداخلية وهو ما يمكن وصفه بكل أريحية بالتواطؤ بين المؤسستين.
وفي ظل تصاعد الممارسات اللاإنسانية للنظام وأجهزته فإن هناك تجاهلا وتقصيرا غير مبررين للمجلس القومي لحقوق الإنسان ولنقابة الأطباء في القيام بدورهم في الدفاع عن حق السجناء في الصحة مما جعل النظام يتمادي في ممارساته، لقد تخاذلت هاتين المؤسستين في القيام بدورهما في الدفاع عن حقوق المساجين في الصحة، لقد تخاذلتا في رصد الانتهاكات الصحية ضد المعتقلين، وتخاذلتا في الحصول على حق يتيح لهما زيارة أماكن الاحتجاز بشكل دوري على الأقل أو في الحصول على حق الزيارة المفاجأة لأماكن الاحتجاز للتفتيش عليها وللنظر في الشكاوى في أي وقت بدون الحصول على تصريح من أجهزة الدولة التي ترتكب تلك الجرائم ضد المعتقلين، وتخاذلت نقابة الأطباء في توثيق ونشر الانتهاكات لحق السجناء في الصحة التي تصل إليها وفضحها حيث لا تفعل هذا إلا نادرا وفي حالات استثنائية رغم انتشار المخالفات وعموميتها وتكرارها، وتخاذلت أيضا في حساب أطباء السجون المقيدين في جداولها على جرائمهم، هؤلاء الأطباء الذين تناسوا ويتناسون دوما في ممارساتهم أنهم أطباء قبل أن يكون ضباطا، لنجدهم ينفذون أوامر قياداتهم في الداخلية بالتنكيل بالمعتقلين وحرمانهم من حقهم في الصحة بدلا من يتّبعوا ضمائرهم التي ماتت في أكاديمية الشرطة التي تخرجوا منها ضباطا عتيدي الإجرام.
سنظل نذكر النظام بجرائمه وجرائم أجهزته ونتوعده بالحساب عليها يوما ما عسى أن يكون قريبا، ونذكره: جرائمكم هذه لن تسقط بالتقادم.. لن تسقط ما دمتم أحياء!