
وهو ينفع ندعي على رئيس؟!

براء أشرف
15 يوليو 2015رأيت أبي يرفع يده بالدعاء على مبارك. فعلمت أن الدعاء على الحاكم مسألة غير ضارة، بل لعلها مطلوبة!
ثم رآني أبي، أردد الدعاء الشعبي اللطيف "الله يخرب بيتك يا مرسي". وذلك تزامناً مع انقطاع الكهرباء، في منزلنا ساعة عشاء.
قال أبي : لا تدعو على مرسي!
قلت : لكنك دعيت سابقاً على مبارك..
قال : لكن مرسي رجل طيب!، لا يجوز الدعاء عليه!..
(2)
لنتأمل ما جرى.. شيخ شهير، مسجد كبير، وجمهور غفير، في ليلة طيبة، ودعاء في صلاة حاشدة.. دعاء ضد الظالمين، القاتلين، الفاسدين، واللهم آمين.. آمين..
ثم، جدل لن ينتهي قريباً.. يتعلق بالمسائل كلها..
الشيخ سمعته ليست ناصعة البياض، إشاعات، وعناوين صحف مثيرة تعود لعدة سنوات. موقفه السياسي كان واضحاً ضد ثورة يناير، عن نفسي شاهدته يقف في لجنة شعبية، أيام الثورة التي كانت، في منطقة راقية، يفتش السيارات، ويمسك في يده مخرطة ملوخية، وكان على ما يبدو، منزعجاً وقلقاً، مما يحدث في بلده..
ولأنه، إمام الذين قالوا آمين، في دعاءه ضد الظالمين، فإن الأمر يستحق الجدل.. هل يجوز ترديد آمين، خلف شيخ لم يكن يحب ثورة يناير؟!..
يا ظلمة.. وما العلاقة أصلاً.. هل نسحب رخصة الدعاء من الذين كانوا يكرهون ثورتنا؟!، فقط لأنهم يكرهون ثورتنا؟!..
بالطبع، صبيحة اليوم التالي، كان الشيخ يواجه غضب المسئولين، سيماهم على وجوههم من أثر الدعاء ضدهم.. قرار من وزارة المساجد، المعروفة باسم الأوقاف، بوقف الشيخ عن الإمامة، بل، ومنعه من الصلاة إماماً في أي مسجد مصري!..
ثم، هجوم شرس ضده في الفضائيات، يصفونه بالشيخ المتلون!، وتنتهي الحكاية، بمنعه من السفر، كما قيل، من بوابة مطار القاهرة!، وبدون أسباب معلنة!.
(3)
المشكلة ليست في الدعاء كما يبدو.. المشكلة في الدعاء الجماهيري.. الدعاء الشعبي.. الدعاء على شاشات التلفزيون وصفحات فيس بوك.
وهذا مثير للذعر. ذعر الجميع..
ذعر السلطة : التي تخاف حتى من دعاء قد يصيب ساعة إجابة دون تصريح مسبق منها!.
ذعر الجماهير : التي تخاف أن تعطي أي شخص أي رصيد إيجابي، وتميل للتشكيك في ماضيه وسيرته!..
سلطة تخاف الدعاء، وجماهير لا تملك إلا الدعاء.. والإدعاء!..
هذه مسألة معقدة، لكن ما أعرفه حقاً، أن هذه قصة بائسة.. لأقصى حد!.. ليس بالدعاء وحده يعيش المواطن!، وليس بالدعاء وحده ينتهي ظلم الحاكم!.
(4)
الدعاء ليس نضالاً، الدعاء حق للجميع.. آه والله.. حق حتى للذين يكرهون الثورة ويدعون عليها.. والله، وحده لا شريك له، فوق سبع سماوات، يسمع الدعوات ويحقق منها ما يراه مناسباً وملائماً.. الله يقرر، والله، ليس رئيساً منتخباً، الله هو الله، وقراراته، لا تخضع لسلطة رئاسة جمهورية، أو مجلس عسكري!.
والله، أمرنا بأمور كثيرة، إلى جانب الدعاء. منها، على سبيل المثال، العمل.. والدعاء، في حد ذاته، ليس عملاً كاملاً.
الدعاء كلام، هو فقط كلام يحظى بقدر من القدسية.. لكنه في النهاية كلام. وهذا الوضع المأساوي، الذي تعيشه مصر، لن يغيره كلام!.
صحيح أن الدعاء شجاعة. لكنها ليست كافية. ولعلها فاضحة!
القصة تفضحنا بشكل عام. تعرينا. كافية لتفهمنا إلى أين وصلنا تحديداً.. كلنا، جماهير وسلطة..
البعض قال، على فيس بوك، "الشيخ دعا على الظالمين.. وستشاهدون نتيجة دعاءه!"، ورد البعض "بل هو شيخ مشبوه!، وقد خسرت قضيتنا الكثير لأنه دعا ضد من يظلموننا!"، وقال آخر "تدعون على الرئيس الذي يستبدل بكم نور عيونه؟!"، وأضاف رابع "البلد مش سايبة، والشيخ أصلاً إخوان!"، وسخر خامساً "دعاء الإخوان أصلاً لا يتحقق!"..
كأن، كل من القائلين، يملك رخصة، من الله، لتحديد أي الدعاء يستجاب وأي لا يتحقق. هذه معجزة جديدة، للشعب المصري. المتدين (في رمضان فقط) بطبعه!، والمتحرش في العيد بطبيعته!.
(5)
المضحك حقاً، هو أن الطغاة متشابهين جداً. لا توجد حتى الآن على الأقل، ديكتاتورية ذكية!. الدعاء يزعجهم جداً. يفرسهم، يؤلمهم، وهذا جميل بشكل عام.
والجماهير، تفرح بأمور بسيطة، وتحول كل إشارة إلى انتصار. الناس مبسوطة لأن حق الدعاء ضد الظلمة أصبح متاحاً. وكأنه كان ممنوعاً.
ثم ستبدأ جولة أخرى في اللعبة، السلطة تمنع ما تظن أنها قادرة على منعه، والجماهير تدافع عن ما تظن أنه مكتسب جديد لها، وأن السلطة قادرة عليه!.
ثم يتحدث الرئيس عن الإلحاد مستغرباً.. ولا أعرف شخصياً سبب الغرابة، إن كنا، سلطة وجمهور، نقوم بعمل الله نفسه في مسألة، أساساً، هي بين العبد وربه!.
للسلطة نسأل : ممكن ندعي على الرئيس؟!..
وللجماهير نسأل : ممكن نعمل أي حاجة تانية، بعد الدعاء على الرئيس؟!
(6)
اللهم إنك تعلم.. وهذا كافي جداً.
آمين.