
متى تبكي مصر؟

براء أشرف
10 أغسطس 2015أما وقد فرحت مصر، رقصت، صفقت، ضحكت، تلونت بألوان البهجة والسرور. فلعل الوقت مناسب، لأن تذهب الفرحة وتأتي الفكرة، والفكرة سؤال : متى تبكي مصر؟!..
في فيلم "الوعد" (وحيد حامد - محمد ياسين 2008)، يسأل عادل، الشاب الهارب إلى المغرب، صوفيا، الراقصة (والعاهرة) : متى تبكي صوفيا؟..
سؤال عميق كما يبدو، وهكذا هو الحوار في أفلام وحيد حامد الشهيرة..
تقول صوفيا : تبكي.. عندما تكون ساعة رواج.. ولا يوجد زبون!.
صوفيا يزعجها انعدام التقدير، كيف لا يأتيها زبون ساعة زحام؟!، وهي ليست أقل جمالاً، ولا حلاوة من الأخريات المحظوظات بالزبائن.
على ذات الطريقة نسأل، مصر، وهي ليست راقصة أو عاهرة. متى تبكين؟.. وهل سبق لكِ أساساً، ممارسة الفعل السابق؟!، هل لديكِ أدنى معرفة بالبكاء؟!.
عادة، يتم الترويج لفرحة مصر، باعتبارها حدثاً استثنائياً. نادر الحدوث. لكن، بتأمل التاريخ الحديث والقديم، نجد، أننا أمام مسيرة طويلة من الأفراح والليالي الملاح. دائماً، مصر قادرة على الفرح، وممارسة طقوس البهجة..
فقط يظهر الحزن في أغاني الفراق العاطفية، الشجن حاضر بمصر على لسان الطرب الشعبي، كتاب حياتي يا عين، الفرح فيه سطرين، والباقي كله آهات.. على عكس كتاب حياة مصر تماماً، الفرح فيه كل يومين، والباقي حرب على الإرهاب!.
ما القادر على جعل مصر حزينة؟!.. ومن المسئول عن تصدير صورة مصر الحزينة البائسة اليائسة لنا على الدوام؟!.. مصر ذات الجلباب الريفي الأخضر في رسوم الكاريكاتير، الإبتسامة تظهر على وجهها فقط عندما يظهر في الكادر معها سيادة الرئيس.. وهذا أمر يتكرر في الأسبوع الواحد عدة مرات!.
مصر لم تضبط سابقاً متلبسة بالحزن الحقيقي. حتى في لحظات الهزيمة المرة، التعبير عن الحزن يجب أن يكون بحساب، فـ أولاً : مصر لا تحزن أكثر من حاكمها.. له الحق الحصري في الحزن، وأي حزن فوق مستوى حزنه نوع من المزايدة!.. و ثانياً : عندما يحزن الحاكم، فعلى مصر أن تطيب خاطره.. وتقف إلى جواره حتى يعبر محنته في حكمها.. فشل الحاكم في الحكم أمر يحزن الحاكم لا المحكومين.. ومن حقه التجربة عدد لا محدود من المرات.. ورغم حزن الأمة، يجب أن تقف إلى جواره صارخة : لا تتنحى.. مصر تحزن على فراق الحاكم أكثر من حزنها على فشله!.
ورغم كل هذا الحب، بين الدولة وحاكمها. إلا أنه حب بحساب.. نعم نحزن عند رحيل الحاكم الذي مات. لكن دون مبالغة، بحيث لا يفسد حزننا فرحة الحاكم الجديد!. نخشى على الحاكم بشكل عام. ومجرد شعوره بالحزن دليل على تقصيرنا في حقه (وحق أنفسنا).
حتى الحاكم الذي ثورنا عليه، نفرح بثورتنا، لكن يزعجنا شعوره بالحزن. هو حزين لأننا لم نحبه بالشكل الكافي. وفرحتنا منقوصة، لم نتعلم الفرحة دون حاكم. نفرح وحاكمنا زعلان؟.. ده كلام؟.. فسرعان ما نفكر : وهو عامل إيه دلوقتي؟!.. ومين هون عليه الوقت الذي يعيشه دون أن يحكمنا؟.. مسكين هو.. وقد ظلمناه بالثورة عليه!.
ثم يقول أحدهم أن الإرهاب يبكينا ويصيبنا بالحزن، وهذه مقولة ساذجة.
مئات الجنود سقطوا برصاص الإرهاب. شهداء في سبيل وطن يعاني من فقر شديد فيما يخص شارات الحداد. الناس لا تريد أن يفسد فرحتها أحد (وهي فرحة دائمة كما يبدو). وقنوات التلفزيون تدرك هذا جيداً. وسرعان ما تجد البعض، يؤكد حزنه الشديد، عن توقف عرض برامجه ومسلسلاته المفضلة، بحجة الحداد.. الحزن في القلب، والقلب يعشق كل مسلي مفرح..
الحزن واجب احترامه فقط إن كان بقرار من السلطة. تمتلئ الشاشات فوراً بعدد لا نهائي من محترفي البكاء التلفزيوني. نبكي لأن السلطة تشعر بالحزن، ونقول في نهاية المداخلة : سنفرح رغم الحزن، سنرقص رغم البكاء، سنضحك رغم السخافة المطلقة للنكتة المتكررة التافهة.. على العهد دائماً، فرحة فرحة بأمر القصر، فرحة في كل شوارع مصر..
ومبررات الحزن الطبيعي، والبكاء الحقيقي، متوافرة، ومتاحة، وبديهية، بالنسبة لهؤلاء الذين لم يعتادوا الفرح المصري الدائم (وأنا واحد منهم)..
وقديماً، قالت سيدة طيبة في أسرتنا، بينما كنا صغار، أن الفرح والضحك، زيادة عن الحد، ينتهي عادة ببكاء. وقد لاحظت، صدق نظريتها لاحقاً. بينما أكبر، وأشاهد الفرحة المصرية العامة.
واليوم، جمعتني القهوة التركية، مع صديق قادم من مصر، فسألته : ومصر.. فرحانة؟!..
صديقي صحفي، وقد غطى فرحة مصر في إطار عمله، قال : طبعاً، ومظاهر الفرح واضحة في الشوارع.. لكن تخيل، قابلت قبل يومين رجلاً يرقص، وقال في فاصل قصير بين رقصة وأخرى : أنا عارف إن المشروع فكسان.. بس ده مش مبرر إننا منفرحش!..
أضاف الصديق، أن الفرح دون سبب، وبحماس مبالغ، علامة إكتئاب عميق!.
عن نفسي، لا أعارضه، ولا أتفق معه. فقط أسجل ملاحظته.. ضمن ملاحظات عديدة، عن الفرحة الدائمة، والبهجة المستمرة، والضحك بلا حدود.
منصات التواصل الإجتماعي في مصر ضاحكة على الدوام. تشتعل ضحكاً، وتنفعل سخرية، وتمتلئ نكاتاً وطرفات.. المجد للإفية، للقلشة، للقطة الحلوة المسلية. وكأننا جئنا، للعالم أصلاً، للتسلية فقط لا غير. كل شيء في مصر مسلي بصراحة.. حتى مآسيها.
مصر لا تبكي كما يبدو. لا تعرف الحزن، تدعيه فقط. فرحها متكرر. ولعلك تعرف، أن المنطق (وهو علم يقولون أن له علاقة بالعقل البشري)، يفترض أن الفعل المتكرر دائماً، فعل بلا قيمة، القيمة الحقيقية للأفعال النادرة.
#مصر_بتفرح؟.. عادي.. ما الجديد في المسألة؟!. أخبرني أرجوك عن مرات حزنها وبكائها.. وأرجوك أيضاً، لا تحاول استخدام اسم الإخوان في الموضوع.. صعب على بلد دائمة الفرح مثل مصر، أن يحزنها حكم جماعة لعام واحد. هذا إن افترضنا أنها حكمت أصلاً.
هل يحزن مصر الفشل؟، الفقر؟، الفساد؟ المرض؟، القتل؟، الجهل؟، القمع؟، الجوع؟، التخلف؟..
هل تحزن مصر - كما صوفيا - عندما تفقد التقدير لها ولمكانتها؟.. تدريجياً، وبسرعة مذهلة؟.
هل تبكي مصر، لأن أولادها يهاجرون بشكل منتظم، يومياً، وبكل الطرق الممكنة؟..
هل تبكي مصر حين تشعر بالضعف حتى؟!.. حين تفقد قوتها السابقة لصالح من كانوا بالأمس أضعف كثيراً منها؟..
متى تبكي مصر؟!.. وهل هناك دليل، على أنها، لا تفعل هذا.. حالياً؟!..
أنت وحدك تعرف الإجابة..