
ضحايا الزواج

كريم الشاذلى
15 فبراير 2017
أعلم أن العلاقات الإنسانية مركبة ومعقدة، لدرجة أننا قد ننصح بالشيء وضده، باذلين الجهد في توضيح الفوارق التي تحدد نوع السلوك الذي يجب أن نقوم به.
مثلاً.. تحدثنا كثيراً عن قيمة التسامح والغفران وغض الطرف عن بعض السلوكيات السلبية في شريك الحياة، والصبر عليه، وأكدت على أهمية التضحية وقبول بعض ما نكره.
أقول مع تأكيدي على أهمية كل ما سبق، إلا أنني أحذر كذلك من فكرة السماح لشريك الحياة بالاستمرار في سلوكيات مضرة لنا، وإعطائه الأمان كي يفعل ما يعن له، ويسيء إلينا من خلال سلوكيات جارحة!.
للأسف، في البشر عادة سيئة، وهي تماديهم في الخطأ إذا ما شعروا بقلة حيلة الطرف الآخر، وضعفه في رد الأذى، خصوصاً إذا ما كان المعتدي قوي الجانب، ذو منطق محتال.
في البشر عادة سيئة، وهي تماديهم في الخطأ إذا ما شعروا بقلة حيلة الطرف الآخر.
من هنا أقف ممتناً للمنهج القرآني في مخاطبة كلا الزوجين، وتأكيده ـ خصوصاً للرجل ـ على أهمية المعاشرة بالإحسان والفراق بالمعروف، إنه يخاطب الضمير، ذلك أن الخالق ـ جل اسمه ـ يعرف جيداً أن الرجل قادر على الإيذاء، وقادر معه على تبرءة ساحته مستغلاً عاطفة المرأة، واندفاعها، مما يجعل أمر تخطئتها غير عسير عليه، وعليه فلا شيء يمكن أن يوقف الرجل كضميره اليقظ وخوفه من الله.
ومع هذا، أنا بحاجة إلى التأكيد على أهمية أن نرفض مسلسل الإهانة، أن نرفض العيش في ثوب الضحية، أن نرفض أن يكون نصيبنا من رد الأذى بعض "الفضفضة" لصديقة او صديق، علينا أن نتعلم جيداً كيف نقف بقوة ـ ولا أقول بتحد ـ ونخبر شريك الحياة أن عليه تغيير نمط تعامله المسيء معنا.
لن يخبرك أحد بهذا، لكنني رأيته مراراً وتكراراً، أن الذين يتكيفون مع سلبية شريك حياتهم وسوء سلوكه سيعيشون تعساء، سيكتشفون في مرحلة ما أن رصيد المشاعر السبية قد بلغ حداً مزعجاً، سينفجرون لاحقاً، سيبحثون عمن يتعاطف معهم، سيدمنون الشكوى وتمثيل دور الضحية، وهذا كله لن يفيد العلاقة في شيء.
والآن دعني أحذرك، إن كنت تفعل أي من هذا فأنت تلعب دور الضحية في زواجك، وعليك أن تتوقف فوراً وتعمل على التغيير، وتنتبه إلى خطورة ما يلي:
- دفن الرأس في الرمل: حين تواجه خطراً، تكتفي بمصمة الشفاه، وإدارة وجهك للاتجاه الآخر، وانتظار انتهاء الشيء السيء كي ترحل إلى داخل ذاتك وتبدأ في اجترار الشكوى.
- تشكو بشكل غير منطقي: أنت تشكو في المطلق، تشكو من الارتباط، من الحياة، من الزواج، من الأسى، لكنك لا تشكو من السلوك السلبي بوضوح، أنت أجبن من أن تواجه وتنظر في عين شريكك وتطالبه بالتوقف.
- تخدع نفسك بأنك مسالم: وأنك تعفو، وأنك متفهم لما يحدثه بك شريك حياتك، أنت هنا تحاول منطقة سلوكك السلبي وإكسابه ثوب مقبول، مما يتيح لك الظهور بمظهر الشخص القوي المتسامح.
- ترى بأنك لا زلت قادر على التحمل: وأن موقف الرفض لم يأتي بعد، وأن ما حدث ويحدث ممكن تحمله.
حسناً، جاء دور الحديث عما يجب عليك فعله تجاه السلوك السلبي من شريك الحياة، عليك أن تكون صريحاً معه، أن تعبر عن تضررك مما يفعله ويقوم به، أنصحك ألا تبالغ، عبر عن حزنك بوضوح، أخبره أنك تتوقع منه أفضل من ذلك، وارد أن تلجأ للتصعيد ذات مرة، كما قلنا نحن هنا لا نشتكي نحن نعبر عن ضيقنا وتألمنا مما يحدث، نحن نطالب بتغيير في العلاقة، أو أسلوب الحوار، أو لغة التواصل والتفاهم.
وأعلم أن أي علاقة لا تقوم على العدل والإنصاف هي علاقة لن تستمر، وإن استمرت فإنها تقتات على أعصابك وراحتك وهنائك النفسي، وعليه فإن فكرة قبول الممارسة السلبية ستكون دافعاً للموت البطيء، موت الروح، والحب، والدفء .. موت المودة في قلوبنا، وقلوب أبناء يشاهدون ويسجلون ويعيشون في داخلهم معركة الخارج المؤلمة.
أي علاقة لا تقوم على العدل والإنصاف هي علاقة لن تستمر، وإن استمرت فإنها تقتات على أعصابك وراحتك وهنائك النفسي.
من هنا نحتاج إلى النظر في عين الشريك ومصارحته بهدوء تارة، وبحزم تارة أخرى..
طبعاً يا حبذا لو كان هذا مبكراً، إنه أفضل بكثير من أن يكون متأخراً، للأسف مواجهتنا المتأخرة للخلل سيجعله متعجباً من رفضك، لقد ظن شريكك أنك كنت راضياً خلال الفترة الماضية، سيقاوم تمردك على سلوكه، لا تتراجع عن موقفك.
أكرر، هي ليست حرب، سنتغافل، ونعفو، ونغفر، ونسامح كثيراً، لكن علينا أن نكون أكثر وضوحاً في رفض ما يؤذينا، فالجراح المتكررة قادرة على القتل أكثر من الطعنة النافذة.