
اعتقال أوباما وترامب !

نعيمه أبو مصطفى
12 يناير 2017
تتوالي اعترافات العصابات الأمريكية بالأخطاء التي ارتكبتها تجاه الدول العربية، ويستمر الصمت العربي والعالمي تجاه هذه الاعترافات، ولازالت العدالة الدولية معطلة إلى أجل غير مسمى، وسوف نشهد عصر جديد من عمر العالم بتشكيلات جديدة تتغير فيها جغرافية وسياسة واقتصاد العالم.
"إدارة أوباما السابقة هي التي صنعت داعش" هكذا صرح الرئيس القادم للولايات المتحدة الصهيونية أمام العالم كله، أثناء ألقاء كلمته بالأمس، وأضاف ترامب أن هيلاري كلينتون أيضاً اشتركت في صناعة الإرهاب في الشرق الأوسط، وهي مسئولة عن ذلك، وبهذه التصريحات وغيرها يذكرني ترامب بالبهلوان الذي تقمص دور رئيس أكبر دولة، وأخذ يتحدث بتلقائية ويخرج الحقائق التي عجز أهل السياسة والدبلوماسية الكشف عنها.
أكاد أسمع أصوات بعض الأمريكان يصرخون في أجهزة المخابرات الأمريكية مطالبين باحتجاز هذا الـ ترامب في مصحة عقلية.
وجدنا هذا البهلوان الصهيوني الجديد يخرج حقائق لم نسمع عنها من قبل ولم يتطرق لها الإعلام من قبل، مثل علاقته بالنظام الروسي، والإشادة الأمريكية بالعلاقات الروسية والتودد لها وهي حالة لم نشهدها من قبل بين أكبر دولتين على مستوى العالم وبينهما منافسة غير شريفه على جميع المستويات.
كلنا يعلم كيف تم زرع اكبر تنظيمات إرهابية في الاتحاد السوفيتي عن طريق أمريكا مثل طالبان، والقاعدة، وغيرهما فهما صنيعة أمريكية ضد الاتحاد السوفيتي على مدار عشرات السنين، فكيف يتم نسيان هذا التاريخ الأسود بين البلدين، ونحن نشاهد حالة من الغزل الصريح بين ترامب وبوتين؟ شاهدنا مظاهرها في المؤتمر الذي عقده ترامب، ومن خلال تصريحات مدير ال CNN بان المخابرات الروسية لديها أدلة ووثائق سرية تكفى لابتزاز رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.!
وفي سؤال وجهته مذيعه لهذا البهلوان أن يذكر لها كيف سيرد على إدارة بوتن، وان يعترف أمام الجميع بأنه لم يكن لديه اى اتصال مع بوتن أثناء فترة الانتخابات؟ فتهرب ترامب من الإجابة، وهنا تأكد الإعلام الأمريكي أن ترامب جاء بمباركة روسية لن ترضي العصابات الصهيونية وإتباعها في المنطقة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب بل شاهدنا مسرحية كوميدية بمعنى الكلمة في هذا الخطاب البهلواني.
وجاءت اتهامات ترامب لإدارة أوباما بعد يوم واحد من اعتراف رئيس المخابرات الأمريكية "سي آي إيه" المستقيل جون برينان، الذي يستعد لمغادرة منصبه رسميًا، بخطأ الولايات المتحدة الأمريكية ومخابراتها عند ظهور "الربيع العربي" وإساءة تعاملها مع التحولات في المنطقة منذ ذلك التاريخ، وأنه لو بقيت القوات الأمريكية في العراق ، لسقط مئات القتلى الأمريكيين، ولاستغل داعش ذلك لاكتساب المزيد من الأنصار والمؤيدين واستقطاب المسلحين إليه"، وأضاف جون" أن المخابرات دفعت الإدارة إلى الاقتناع بأن هز شجرة الحكم المستبد في المنطقة العربية كفيل بسقوطها ونشر الديمقراطية وازدهارها في هذه الدول، تلبيةً لرغبات شعوبها، وأن أمريكا أخطأت عندما تطلعت إلى تطبيق القيم الغربية والديمقراطية على النمط الغربي في الشرق الأوسط من خلال الثورات العربية".
وهذا اعتراف رسمي بتورط أمريكا بما حدث في الدول العربية من فوضى وحروب أهلية، وخلق ما يسمي بداعش وتوالت اعترافات جون الذي كان يمثل عصابة تحكم العالم عن دعم وتسليح المعارضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وقال "إن الإدارة الأمريكية بالنظر إلى الأحداث التي مرت بها سوريا منذ 2011، كانت ستتصرف بشكل مختلف لو كانت تعرف مسبقًا بما كان سيؤول إليه الوضع، ولكنها حتمًا لم تكن لتدعم وتسلح القوى السورية المختلفة، لأن المعارضة السورية المسلحة "منقسمة ومتفرقة ومتشظية إلى درجة كبيرة، وهي أقرب إلى الخليط الهجين الذي يجمع علمانيين بمتطرفين دينيين".
ونعود لاعترافات ترامب الذي فضح مخابرات دولته قائلاً "إن المخابرات الأمريكية هي التي سجلت له الفضائح الجنسية، وأنه علم بذلك من خلال واقعة حدثت في يوم من الأيام شعر بوجود خيانة زوجيه في بيته، وذهب للقاء المخابرات الأمريكية، وبعدها تم تسريب الاجتماع فعلم أن المخابرات الأمريكية هي التي سربت اجتماعاته، وهي التي سجلت له الفضائح الجنسية..! هذه تصريحات رئيس أمريكا..هل سيكمل هذا الرجل مدته؟ هل ستتركه المخابرات الأمريكية التي أتت به أن يكمل مدة حكمه؟ لا أظن...سوف تشهد أمريكا عصرا ترامبيا غير مسبوق.
وأكاد أسمع أصوات بعض الأمريكان يصرخون في أجهزة المخابرات الأمريكية مطالبين باحتجاز هذا الـ ترامب في مصحة عقلية.
واستمر هذا البهلوان في استعراض همجيته من خلال عدم دبلوماسيته مع الصحفيين، حيث قام بانتقاء الصحفيين الذين على هواه ليجيب على أسئلتهم، وسب وشتم من لا يرغب فيهم. ولا غرابة في اختيار هذه الشخصية لأن هذا هو خيار الشعب الأمريكي، والتوجه العالمي نحو الفوضى و العنف.
ويبدو أن المخابرات الأمريكية اعتادت على كشف الحقائق بعد الخروج من السلطة، قبل عدة أشهر صرح مايكل هايدن مدير المخابرات الأمريكية السابق " أنّ هناك عدّة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الأوسط قريبًا، وإنّه على الأقل هناك دولتان عربيتان ستختفيان من الشرق الأوسط قريبًا، سبق وظهرت هذه الدول بعد اتفاقية “سايكس بيكو” التي تمّت بمبادرة أوروبية عام 1916"، ويقصد بهذه الدول العراق وسوريا ولبنان.
وبالرغم من كل هذه الاعترافات والاتهامات لم يتم الاعتراف بعد بمخطط إسقاط الدول العربية لصالح ما يعرف بـ (إسرائيل)، وأن هذا المخطط ضمن إستراتيجية الأمن القومي الصهيو-أمريكي والمخطط لها قبل مئات السنين.
وإذا افترضنا انه ليس هناك مخطط مسبق، والآن نحن أمام اعتراف رسمي من قادة هذه الدول، بما فعلوه من جرائم في المنطقة العربية، وتسببوا في تدمير دول، وتشريد ملايين المدنيين من العرب، ودعم جماعات إرهابية مسلحة نتيجة حسابات وتقديرات خطأ.فما هو رد الفعل الدولي أمام هذه الاعترافات؟ لأن رد الفعل العربي متجمد إلى أجل غير مسمى. من يحرك القانون الدولي تجاه هؤلاء ومن سبقوهم في اعترافات مماثلة لا حصر لها؟.
وبالرغم من تحذيرات المخابرات الأمريكية عبر تقاريرها العديدة التي تصدرها حول مستقبل العالم خلال الأعوام المقبلة من توجه منطقة الشرق الأوسط إلى المزيد من التشظي والتفجير بسبب الصراعات الدولية وتراجع الاقتصاد وتردي بنية الدول ومؤسساتها، وتعترف هذه المخابرات بسيطرة التنظيمات المتطرفة على بعض الدول إلا أننا لا نجد أي إستراتيجية أو خطط عربية لمواجهة هذه التحذيرات.
من يحرك القانون الدولي تجاه هؤلاء ومن سبقوهم في اعترافات مماثلة لا حصر لها؟
وبالرغم من علم الجميع بأن المنطقة العربية تتجه نحو مزيد من العنف وتشهد تخبط وغياب تام لأي إصلاحات سياسية واقتصادية فعالة، وإحساس عام بالإحباط في ظهور بارقة أمل أو أي انفراجه في القريب العاجل، إلا أننا نجد شلل تام في ردة فعل الشارع العربي، وحالة من الاستسلام لما يحدث، بل نجد البعض يرى السواد القادم ولا يستطيع حتى أن ينطق محذراً منه ولا نقول مستنكراً ومتصديا له، العالم العربي يشهد حالة من السلبية والاستسلام لا مثيل لها.
ومع ارتفاع حدة الصراع الطائفي، وارتفاع صوت هذه النعرات الطائفية وانتشارها بين العرب يقابلها ارتفاعاً في قوة بني صهيون، وانعدام تام في العدالة الدولية، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي تضرب في العمق العربي ليعيد بعض الدول العربية إلى عصور الظلام، فهل من بارقة أمل وسط هذا الظلام؟