
التسجيلات تطيح بالكل

نعيمه أبو مصطفى
19 يناير 2017بين لحظة وأخرى قد تجد نفسك متهما ومتورطا في قضية ما، ويتم إثبات ذلك إما بمستندات أو بتسجيلات، ويبدو أن الأخيرة لم تستثنِ أحدا على وجه الكرة الأرضية، وأصبحت دليل إدانة يتم استخدامه وقت اللزوم.
بعد انتشار تطبيقات الهاتف الذكية التي تسجل المكالمات، أصبح من السهل على أي شخص توريطك في مشكلة مع صديق، أو مع مدير، أو أي شيء صعب توقعه، حيث يتم توجيه الحوار بطريقة معينة لإثبات تورطك في كلام ضد شخص بعينه أو مؤسسة، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي في صناعة أجهزة تنصت دقيقة الحجم متنوعة الشكل يتم زرعها في أي مكان بسهولة.
ومن أشهر قضايا التسجيلات ما تم تسجيله لأكبر مخربين على مستوى العالم، الأول هو رئيس وزراء الاحتلال الإرهابي بنيامين نتنياهو، الشهير بـ (بيبي) والثاني بهلوان العصر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية القادم ترامب، والذي سنتناوله في مقال آخر، لنجد أن لا أحد فوق التسجيلات بدءا من المواطن العادي الذي لا يملك قوت يومه، ويتحدث عن معاناته اليومية مع المقربين منه فيتم التسجيل له، واتهامه بتدبير انقلاب على الحاكم، أو الترتيب لتخريب البلاد، وصولًا إلى رئيس أكبر دولة في العام الذي يسرق، ويقتل، ويفعل ما لا نستطيع كتابته.
أما "بيبي" فهو محور حديثنا حيث يخضع للتحقيق للمرة الثالثة بشبهة ضلوعه بالفساد بما يسمى "القضية 2000"، والتي احتلت مساحة كبيرة في الإعلام الصهيوني وتتعلق بتسجيلين لمدة ساعات بين نتنياهو ومالك جريدة "يديعوت أحرونوت" أكبر الجرائد الصهيونية أرنون موزيس، وتوضح التسجيلات توصل الطرفان لاتفاق حول الحصول على امتيازات متبادلة عن طريق المخالفات الجنائية التي يعاقب عليها القانون.
وكانت البداية عندما حصلت الشرطة الصهيونية على أشرطة تسجيل للمحادثات بين الطرفين، وتم تفريغها وليس غريب أن هذه التسجيلات تم العثور عليها بحوزة رئيس طاقم موظفي رئيس الحكومة الصهيونية، آري هارو، الذي زعم أنه قام بالتسجيل الصوتي للجلسات واحتفظ بالتسجيلات بحسب طلب نتنياهو لكي يتخذها للدفاع عن نفسه مدعيًا أنه تعرض إلى محاولات ابتزاز من قبل موزيس الذي ادعى خلال التحقيق أنه لبى دعوة نتنياهو لعقد الجلسات بينهما ونتنياهو هو من طرح موضوع التغطية الصحفية، بمعنى أن لا أحد يستثنى من التسجيلات، ولا تستبعد أن ما يقوم بالتسجيل لك هو أقرب شخص لك، فنحن في عصر التسجيلات، والفضائح.
ونشرت الصحف الصهيونية أن بيبي هو الذي بادر لعقد جلسات مع مالك "يديعوت أحرونوت"، للاتفاق على دور الجريدة في تغطية تحركات نتنياهو ودعمه، والقيام بحملة تغطية ايجابية لـ نتنياهو، وإحداث تغييرات في الخط التحريري للصحيفة لصالح نتنياهو وإيقاف التغطية المعادية لرئيس الحكومة مقابل التآمر على صحيفة "يسرائيل هيوم"، والتقليل من قوتها وتراجع انتشارها، وسوف تثبت لنا التحقيقات صدق أحدهما، أو كذب كلاهما.
وهذه الواقعة التي يتم التحقيق مع بيبي بشأنها لا تعد جريمة في بلادنا العربية، بل يطلق عليها مصالح مشتركه، ودعم لصحيفة قومية وطنية تخدم مصالح الدولة، وأن رئيس الوزراء في دولة عربية قد يقوم بهذا الفعل في العلن من باب دعم الإعلام والصحافة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها بيبي وزوجته سارة التحقيقات في مخالفات يعاقب عليها المجتمع الصهيوني، والقانون هناك لا يختلف عن القانون في بلادنا العربية يمكن تطويعه، ولكن الرأي العام الصهيوني والغربي لا يمكن تطويعه بسهوله.
وهناك عدد من القضايا المتورط فيها نتنياهو منها "القضية 1000"، والمتهم فيها هو وزوجته وابنه يائير بالحصول على هدايا وامتيازات من رجل الأعمال أرنون مليشين، الذي كان يقدم السجائر والشمبانيا لبيبي وعائلته، وكان أرنون يحضر الهدايا إلى منزل بيبي بقيسارية بنفسه وتقدر هذه الهدايا بمئات آلاف الشواقل، وكان بيبي يحتفظ بالنبيذ الفاخر الأحمر لزوجته ويقدم الأبيض الرخيص للضيوف، يا لها من فضيحة في مجتمع يدعى الفضيلة والديمقراطية والعدالة، ويتهم الفلسطينيين بالعنف.
وهذه الاتهامات كلها تندرج تحت تهم الفساد، والزواج غير الشرعي بين الثروة والسلطة. إلا أن محامي بيبي، يعكوف فاينروت، أعترف بحصول موكله على الهدايا، وقال أن الحصول على هدايا من أصدقاء ليس ممنوعا في القانون، ولو ثبت هذا سوف يفلت نتنياهو من العقاب، ويتضح لنا أن دولة الاحتلال تطبق القانون بدقة ولا تستثنى زعيم العصابة.
وهناك أيضًا تسجيلات أخرى تلاحق بيبي تفيد بأنه أتصل هاتفيا بوزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، نحو ثلاث مرات لكي يطلب منه تأشيرة دخول رجل الأعمال ميلتشين إلى الولايات المتحدة لـ 10 سنوات.
ويرى المجتمع الصهيوني أن هذه الفضائح كافيه لإخراج بيبي من قائمة الأبطال الفاتحين لدولة الاحتلال، ويخرج من العصابة ملوث اليدين ليس بدم شهداء فلسطين وسرقة دولتهم أنما بسرقة أفراد عصابته من بني صهيون لأن دماء الفلسطينيين وحقوقهم لا يعاقب عليها قانون الصهاينة، بل يمنح أوسمه ونياشين لمن يقتل وينهب كل ما هو عربي، فهل تطيح التسجيلات برموز الفساد في العالم؟