رسالة المثليين الصهاينة للكنيست أم للعالم؟

رسالة المثليين الصهاينة للكنيست أم للعالم؟

نعيمه أبو مصطفى

نعيمه أبو مصطفى

23 فبراير 2017

 

عندما تظلم الصورة السياسية والاقتصادية وتعيش مرحلة من عمر التاريخ يصبح فيها القادم فيها أسوأ من السابق بكثير، تلتفت إلى أشياء قد تبدو هزلية، ولكنها مؤثرة، وتتوقف أمامها لأنك قد ترى أنها لا تتناسب مع ما يحدث من تطورات صعبة في العالم أو بالتحديد في العالم العربي.

 

مع تسارع الأحداث اللامعقولة في عالمنا العربي، سواء الحروب التي تحصد أرواح المدنيين، أو الهجرات غير الشرعية، أو الممارسات القمعية للاجئين في الدول العربية سواء منع دخولهم، أو فرض رسوم وقوانين قهرية عليهم تجعل الموات أفضل بكثير من الواضع المزري الذي لا يوفر لهم حق في الحياة من مسكن، وتعليم، وعلاج ويتعامل مع اللاجئ على أنه مصدر لمليء خزانة الدول التي تتعرض للنهب والفساد من أبناء جلدتها، مروراً بالمشهد اليومي الثابت والمتكرر للممارسات العنصرية للفلسطينيين على أرضهم، والقتل والتشريد لليبيين، والعراقيين، والسوريين، واليمنيين على أرضهم أيضاً، وصولاً إلى مؤتمرات ولقاءات القادة العرب غير المبررة والجهورية مع قادة الإرهاب في العالم، وعقد اتفاقيات والتوقيع على تنازلات بعيداً عن إرادة وعلم الشعوب التي لا تملك سوى الصمت الطويل.

 

في ظل هذه الصورة تأتي لنا أخبار تحتل الصدارة تجعلنا نقف أمامها قليلاً، من هذه الأخبار التي احتلت الصدارة وقوف عدد خمسة أزواج من المثليين جنسياً أما الكنيست الصهيوني والتقاط الصور للاحتفال بـ "يوم المجتمع المثلي" الموافق21 فبراير الحالي، وذلك بعد مناقشات دارت في الكنيست أثناء النهار حول مشاكل المثليين الصهاينة في جيش الاحتلال ... يا للغرابة كيف يحدث هذا في مجتمع محافظ؟ هكذا اعترض اليمين الصهيوني وغضب أعضاء الكنيست على معبدهم، وقام حرس الكنيست بإبعادهم.

 

وكان هذا المجتمع المثلي الصهيوني قبل أيام أعرب عن تضامنه وفرحه للقرار الذي حظي به المجتمع المثلي اللبناني عندما تم إلغاء بند في القانون اللبناني يسمح بمعاقبة الأفراد على خلفية ميولهم الجنسية، وتعتبر لبنان الدولة العربية الأولى والوحيدة التي اعترفت أن المثلية الجنسية ليست جريمة ولا نعلم أن كان المثليين في لبنان سوف يلتقطون صوراً أما البرلمان اللبناني مستقبلاً أم لا؟

 

أما المثليين الصهاينة تم الاعتذار لهم على ما بدر من الحرس عندما تدخلت عضو الكنيست تامار زاندبرغ من اليسار الصهيوني للدفاع عنهم، وطالبت بالاعتذار لهم فورا وبالفعل تم الاعتذار، وكان عنصر الغرابة أن الكنيست احتفل بيوم المثليين وناقش حقوقهم ومشاكلهم، وبعد انتهاء الاجتماع اعترض على تصرف قاموا به، وهو ليس مجرم في المجتمع الصهيوني ولكن السؤال لماذا غضب اليمين الصهيوني من هذا المشهد الذي كان يدافع عنه بالداخل وخرج ليجده أمام الكنيست فتغير الموقف..!؟

 

هناك عدة إجابات لهذا الانفصام في الشخصية الصهيونية التي تزعم أنها ديمقراطية وحقوقية أولها أنها غير صادقة في ما تصدره من صورة ملائكية عن المجتمع الصهيوني، ثانياً هذا الكنيست الذي يسن القوانين العنصرية ضد العرب الفلسطينيين لا يراهم بالعين المجردة بفعل الأسوار والجدر العازلة بينه وبينهم لذلك يضع القوانين الجائرة لهم ويطبقها عليهم عن بعد، ولا يقترب منهم حتى لا يشعر بحجم الألم الذي يعانونه من جراء هدم منازلهم أو اعتقالهم أو جباية أموالهم...الخ من ممارسات. علماً بأن هناك مشاهير في العالم العربي مثليين، وللأسف هذه النسبة في ارتفاع بالتوازي مع نسبة الإلحاد، ونسبة عشوائية الفتاوى الدينية، وعشوائية القرارات والتصريحات الترامبية الأمريكية، ونسبة السخط الشعبي العالمي على الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

 

أعتقد أن هناك علاقة قوية بين ما يحدث في العالم من حروب وتدهور اقتصادي وبين ما يحدث من تراجع أخلاقي وديني لأن حالة انسداد الأفق تؤدي إلى خلق أمراض مجتمعية يصعب التخلص منها.

 

ولعل مشهد المثليين يكون رسالة للعالم بأن الدفاع عن كل ما يخالف القوانين والكتب السماوية سوف يؤدي إلى انحلال في المجتمعات، وتفككها ، وهذا الأمر لا يصب في صالح البشرية التي تشهد نسبة تراجع أخلاقي تتناسب عكسياً مع نسبة التطور العلمي والتكنولوجي.