
الكرة العسكرية

خالد داود
09 أغسطس 2017كان الفارق صارخا في التعامل مع مشجعي نادي الزمالك من الأطفال والشباب صغير السن، مقارنة بأنصار فريق "الفيصلي" الأردني الذين شاركوا في البطولة العربية الأخيرة والتي انتهت بعنف وشغب لا يعكس أي أخوة أو عروبة أو روح رياضية.
أطفال وشباب نادي الزمالك تمت إحالتهم للنيابة العسكرية رغم ضخامة عددهم، 235، وما زالوا يقبعون في السجن منذ شهر كامل، وذلك لأن المباراة كانت تقام لحظهم العاثر في استاد برج العرب التابع للقوات المسلحة. أما مشجعي نادي الفيصلي من الأردن الشقيق، ورغم كل ما ارتكبوه من اعتداء على الحكم المصري، وتخريب للاستاد، واشتباك مع قوات الشرطة تم الاكتفاء بحبسهم عدة ساعات، وترحيلهم في اليوم التالي مباشرة إلى بلدهم وذلك حفاظا على العلاقات مع الملك الأردني وحكومة عمان التي دعمت الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه منصبه.
السلطات المعنية استندت في قرارها إحالة مشجعي نادي الزمالك للقضاء العسكري إلى قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014، والذي سبب جدلا واسعا عند صدوره بالأمر المباشر من الرئيس في ظل غياب البرلمان حيث توسع بشكل غير مسبوق في إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية في انتهاك واضح للدستور. ونص المرسوم الرئاسي الذي أقره مجلس النواب التفصيل في دقائق على إحالة قضايا الاعتداء على المنشآت والمرافق الخاضعة لحراسة القوات المسلحة إلى المحاكم العسكرية.
وبينما بررت الرئاسة صدور القانون في العام 2014 بأنه كان ضروريا لردع تظاهرات أنصار جماعة الإخوان في ذلك الوقت، رغم أن لدينا ما يكفي من القوانين العادية الجنائية التي تكفي لحبس أي مواطن إلى الأبد، فإنه من قبيل العبث والظلم البالغ إحالة الـ 235 طفلا وشابا للقضاء العسكري فقط لأنهم حضروا مباراة في استاد تمتلكه القوات المسلحة، ومن دون أي اعتبار لأن هؤلاء هم مشجعو كرة في الأساس، ولم يكونوا أصحاب القرار في مكان إجراء اللقاء الكروي مع نادي أهلي طرابلس الليبي.
وإذا كان هناك من طرف يجب إحالته للمحاكمة العاجلة (المدنية) فهو رئيس النادي منفلت اللسان والتصرفات والذي أدى قيامه برفع الحذاء في وجه المشجعين وسبهم وإثارتهم إلى زيادة حجم غضبهم وقيامهم بتكسير مقاعد الاستاد والاشتباك مع رجال الأمن، وهو أمر خاطئ ويعاقب عليه القانون العادي بكل تأكيد.
والمثير للدهشة أن قرار إحالة الأطفال والشباب الزملكاوي للمحكمة العسكرية العاجلة، مقابل التعامل الأمني والدبلوماسي اللطيف مع أنصار النادي الفيصلي، تزامن مع بدء المحكمة الدستورية في نظر تنازع بين القضاء المدني العادي والعسكري بعدما أحالت محكمة جنايات بني سويف خمسة قضايا تظاهر وتعطيل طريق إلى المحكمة العسكرية بحجة اختصاص القضاء العسكري بهذه الجرائم بموجب قانون حماية المنشآت العامة.
إلا أن المحكمة العسكرية في بني سويف رفضت التصدي للقضية باعتبار أن وقائع التظاهر لا يطبق عليها قانون حماية المنشآت، ويحكمها قانونا التجمهر والتظاهر العادي والذي يعاقب المخالفين بالسجن لفترة تصل لخمس سنوات وغرامات مالية باهظة.
كما أن تقرير هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا في هذا التنازع أوصى بإصدار حكم بإسناد اختصاص نظر هذه القضايا الخاصة بوقائع تظاهر وتجمهر إلى القضاء العادي ممثلا في محكمة جنايات بني سويف بدلا من القضاء العسكري، وهو نفس الاتجاه الذي كانت قد ارتأته المحكمة العسكرية عندما رفضت النظر في القضية. وقالت هيئة المفوضين أن قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014 يرسم لتلك المحاكم "اختصاصا استثنائيا لا يجوز لها التوسع فيه، وأن جرائم التظاهر والتجمهر العادية تنظرها المحاكم الجنائية العادية".
ومع الوضع في الاعتبار عشوائية عمليات القاء القبض، وصغر سن المتهمين، واستمرار تمتع المتسبب الحقيقي في اعمال الشغب بحريته بزعم انه رئيس نادي وعضو مجلس نواب مسنود من أجهزة امنية خفية تحميه وتمنع تنفيذ احكام القضاء التي قضت بدخول عمرو الشوبكي للبرلمان بدلا من نجل رئيس النادي، والأهم وجهة نظر هيئة مفوضي المحكمة الدستورية في تطبيق قانون حماية المنشآت، وأخيرا الطريقة التي تعاملت بها أجهزة الأمن مع مشجعي نادي الفيصلي الأردني والسماح لهم بالرحيل بعد قضاء نحو 12 ساعة فقط في حجز قسم الشرطة، بعد كل ذلك فإنه من الضروري ان يصدر قرار فوري بوقف المحاكمة العسكرية المتوقعة لمشجعي نادي الزمالك والإفراج الفوري عنهم.
لا يجب إحالة المدنيين أصلا للمحاكمات العسكرية، وهذا حق كفله الدستور، فما بالنا لو كانت القضية تتعلق بشغب ملاعب؟ بالتأكيد لا يجب التساهل مع أعمال التخريب بأي شكل، ومن أخطأ وحطم ممتلكات عامة لا بد من أن تتم محاسبته. ولكن هذا ممكن أن يتم عبر محاكمات عادية قد ينتهي بها الأمر بفرض غرامة مالية على المشاغبين من الأطفال والشباب.
نطالب باحترام القانون والدستور وتحكيم العقل بدلا من زيادة حجم الغضب وتضخيم المشكلة والفجوة العميقة القديمة بين المشجعين والأجهزة الأمنية التي تمعن في إهانتهم، خاصة أن بعض من تم حبسه من مشجعي الزمالك قبل شهر كانت تهمتهم فقط ارتداء تي شيرتات مكتوب عليها "عشرين شهيدا" في إشارة إلى من سقطوا شهداء من المشجعين في "استاد الدفاع الجوي" في فبراير 2015، والذي كان تابعا أيضا للقوات المسلحة. وبهذه المناسبة، هل تمت محاسبة أي من المسؤولين عن إدارة استاد الدفاع الجوي والأجهزة الأمنية عن هذه المأساة الإنسانية التي أودت بحياة عشرين طفلا وشابا مصريا؟
لا يمكن الرد على هذا السؤال لأنه سر عسكري. كما أن المحكمة التي تجري فيها محاكمة المشجعين الذين تم إلقاء القبض عليهم في استاد الدفاع الجوي هي محكمة جنائية عادية، رغم أنه كان أيضا استاد عسكري. فما الفارق بين استاد الدفاع الجوي واستاد برج العرب، وكلاهما تابع للقوات المسلحة؟