يعيش

يعيش "الجيش العربي" ويموت الشعب السوري

خالد داود

خالد داود

16 أغسطس 2017

أصدرت عدة أحزاب سياسية ناصرية ويسارية وشخصيات عامة وأعضاء في مجلس النواب قبل أيام بيانا يتعلق بالأوضاع في سوريا أقل ما يقال عنه أنه محزن ومخزي. البيان أشاد بما أسماه "انتصارات" حققها من وصفه بـ "الجيش العربي السوري" في مواجهة الحركات الإرهابية، كما يدعو الدول المصرية إلى إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد، والذي تعتبر محاكمته كـ "مجرم حرب" أقل ما يستحقه في ضوء ما ارتكبه بحق أبناء شعبه أولا وأخيرا.

 

وأكثر ما أثار دهشتي وحزني هو أن بعض الموقعين على البيان كانوا رفاق ميدان ونضال لعقود ضد النظام المخلوع الذي أراد توريث الحكم لنجله. ولا أفهم كيف يستقيم أن نثور ضد مبارك ونتهمه بالفساد والتوريث ثم نعلن دعمنا ووقوفنا مع المجرم بشار الأسد الذي "ورث" الحكم من أبيه حافظ الأسد، بزعم أنه يحمي سوريا من المشروع الأمريكي الهادف إلى "تقسيم وتفتيت وطننا العربي".

 

يا أيها الأصدقاء والرفاق، كفاكم حديث الأوهام. سوريا تقسمت بالفعل، وكذلك العراق وليبيا واليمن. ولكن من فتت وقسم أوطاننا، وألحق بنا في مصر الفقر والمرض والجهل والفساد، هم الحكام الديكتاتوريين الذين جثموا على صدورنا عقود يحكمون بالحديد والنار والقهر فقط. نعم كانوا يحتفظون بالدولة متماسكة ظاهريا كحدود ومظاهر سيادة. ولكن تحت السطح كانت التناقضات والانقسامات تغلي وتتعمق. وأكبر دليل على ذلك هو أنه فور أن تزحزحت سلطة الديكتاتور، انفجر كما الطفح كل ما في هذه المجتمعات من كراهية وانقسامات مذهبية وطائفية وعرقية.

 

لم يفلح الخطاب القومي العربي لصدام حسين ولا بشار الأسد ولا القذافي في بناء دول قوية، تماما كما خطاب مبارك الذي قدس ما أسماه بالاستقرار لمنع التغيير والتغطية على فساده وأفراد أسرته وأصدقائهم لكي يستمر نهبهم منفردين لثروات بلدنا. وفور أن سقط صدام، شهدت العراق أبشع مجازر طائفية على الإطلاق بين السنة والشيعة، وكذلك كان الحال في سوريا، وفي ليبيا حيث الانقسامات قبلية أكثر منها مذهبية.

 

لم يذكر بيان الأحزاب أن سوريا عمليا محتلة الآن من قبل جيوش روسيا وأمريكا معا، في عملية عسكرية نادرة لما يسبق للخصمين اللدودين من أيام الحرب الباردة القيام بها. وبجانب هذا الجيشان المتطوران بطائراتهم وقنابلهم وصواريخهم العابرة للقارات، يحتل أجزاء أخرى من سوريا العزيزة على قلب كل مصري الجيش الإيراني. كما تتحرك قوات العدو الإسرائيلي بحرية كاملة دخولا وخروجا من الأراضي السورية العربية. ولذلك عندما قرأت في مقدمة البيان أن غالبية أحزابنا القومية واليسارية تشيد بـ "انتصارات الجيش العربي السوري"، لم أفهم فعلا عن أي جيش يتحدثون، وما الذي تبقى منه لكي نصفه بالعربي!

 

وبجانب القوات الروسية والإيرانية الرسمية التي يستعين بها مجرم الحرب بشار الأسد للحفاظ على بقائه، فلقد طالب قوات حزب الله اللبناني بدفع ثمن ما قدمه لهم من دعم على مدى عقود. وبينما كان الدعم السوري في السابق لحزب الله هو لمساعدته تحرير جنوب لبنان المحتل من العدو الصهيوني، فإن الأجندة هذه المرة طائفية بامتياز، ويتم الاستعانة فيها كذلك بميليشيات الحشد الشعبي العراقي، بل وميلشيات شيعية أخرى قادمة من أفغانستان. فعن أي جيش عربي يتحدثون؟ وماذا تبقى منه، بل ماذا تبقى من سوريا؟

 

وكنت أود من الأصدقاء والرفاق الموقعين على البيان أن ينظروا إلى خريطة سوريا الآن، ومناطق نفوذ ميليشيات بشار الأسد التي كانت تسمى في يوما ما "جيش" ومناطق نفوذ روسيا، وتلك الواقعة تحت السيطرة الإيرانية، إلى جانب مناطق نفوذ الأكراد السوريين في الشمال، ومناطق تنظيم داعش الإرهابي، ومناطق تنظيم القاعدة، هذا عدا جيش الإسلام وجيش الفتح وعشرات المنظمات الأخرى.

 

التفريط في الأرض وتقسيم سوريا تسبب فيه نظام دموي مجرم حوّل الملايين من أبنائه إلى لاجئين في كل دول العالم، وملايين آخرين نازحين داخل بلدهم يتم التوصل بصعوبة لاتفاقيات مع الأطراف العديدة المقاتلة لكي يعودون لقراهم ومدنهم. أي انتصارات وأي جيش وأي نظام قاتل تريدون للحكومة المصرية إعادة العلاقات معه؟

 

أما المخزي جدا فهو أن يسعى الموقعون لتبرير مطلب إعادة العلاقات مع نظام مجرم الحرب، قاتل شعبه بشار، بالزعم أن هذا القرار أخذه نظام الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي. فالامتناع عن دعم بشار الأسد والمطالبة بمحاكمته كمجرم حرب وضرورة رحيله لا يمكن، ولا يجب أن يعني بأي حال دعم الإخوان أو المنظمات الإرهابية الأخرى التي تعيث قتلا وتدميرا في سوريا كداعش والقاعدة بدعم من السعودية وقطر والولايات المتحدة. نعم أيها السيدات والسادة الموقعون على البيان، يمكن أن نقف ضد بشار الأسد، ونقف ضد الإرهاب في نفس الوقت.

 

نحن ندّعي، كمشاركين في ثورة 25 يناير 2011، أننا قمنا بذلك دفاعا عن حقوق الشعب في العيش والحرية والكرامة الإنسانية. وكم كان مؤلما جدا أن أقرأ البيان، وتصريحات سعت للتخفيف من وقعه من بعض الشخصيات التي وقعت عليه، من دون أن أجد كلمة واحدة تتحدث عن "الشعب السوري" وحقه في تقرير مصيره عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة والدول العربية المعنية. ومن المؤكد أن من أمر بقتل شعبه وحوله لاجئين ونازحين لا مكان له في مثل هذه الانتخابات، بل مكانه المحكمة الجنائية الدولية حيث لا عقوبة إعدام، ولكن سجن مستحق مدى الحياة يستعرض فيه وربما يستمع لشهادات شعبه الذي قتله ودفعه للغرق في البحر والتشرد على حدود دول العالم وتعرض للقصف.

 

يا أيها الرفاق المناضلون، الأصل هو الإنسان وحقه في الحياة وكرامته، وليس الحجر أو حدود دول وهمية خلقها الاستعمار عنوة. لا يمكن أبدا أن نطالب بالديمقراطية في مصر، ثم نتغافل عن جرائم بشار الأسد ويكون شعارنا "يعيش الجيش العربي السوري، ويموت الشعب".