
لعنة الاستغلال باسم الحب

أحمد مدحت
15 أغسطس 2017نفسية الإنسان شيء مُعقد جدًا، ومع كل التقدّم العلمي اللي حققته البشرية لغاية دلوقتي، لسه فيه مساحات معينة في نفسية البشر تفسيرها مش كامل.. ومن أكتر المؤثرات المُذهلة في نتايجها على نفسية البشر وتصرفاتهم وردود أفعالهم، هي "السُلطة"؛ اللي مش شرط تكون سُلطة سياسية، بس كفاية إن إنسان يحس إنه متحكم في إنسان تاني، ويقدر يقررله أفعاله واختياراته، ويعاقبه لو خالف أوامره وأحلامه.. أكتر من تجربة نفسية علمية مشهورة، درست فكرة السُلطة، تحديدًا إزاي تقدر تغيّر الإنسان، وتطلع أسوأ ما فيه.
وكأن إدراك الإنسان إن فيه إنسان غيره واقع تحت سيطرته وأسره؛ لأي مبرر، كفيل بإنه يجرد الإنسان المُسيطر من كل أقنعة تحضّره، ويستدعي من أعمق مكان جواه نزعات السادية والسيطرة وفرض السطوة والعقاب.
ولأن الحب والانجذاب العاطفي ناحية شخص ما، أحد أكتر الأشياء اللي بتعطل قدرة الإنسان على التحكم في كتير من تصرفاته، وسكرة الحب بالذات في أوله بتعمي الإنسان عن حقايق كتير، مهما كانت واضحة لغيره؛ فالعلاقات العاطفية هي أكتر العلاقات الإنسانية اللي ممكن تحط الإنسان في موقع الضحية للاستغلال المادي والمعنوي؛ لوقوعه تحت سُلطة طرف تاني غير سوي.
شُفت الحدوتة بتتكرر قدامي كتير جدًا، باختلاف بسيط في التفاصيل.. يبقى طرف منهم صعب الوصول له؛ لأنه باعد نفسه عن الجنس الآخر بشكل ما، مش بيفكر في الارتباط العاطفي بأي شكل.. يبدأ الطرف التاني يحاول يتقرب منه، بكل الطرق الممكنة.. حتى لو اضطر يترجاه، يطارده، يستعطفه، أي حاجة المهم يخليه يحبه، ويدخله منطقة ثقته.. ومن اللحظة دي، وبالتدريج وبتصاعد في الوتيرة، تبدأ كل حاجة تتغير بمجرد ما يضمنه، ويحس إنه خلاص بقى ملكه.. خصوصًا إن عادة الإنسان اللي بيبقى صعب في البداية، لما يحب ويتعلق بجد، بيبقى سهل يُقع تحت سُلطة الطرف التاني باسم الحب، وبيكون ضحية سهلة للابتزاز العاطفي.. والاستعباد بسُلطة الحب الوهمي.
بالنسبة للكتير من غير الأسوياء، الشيء البعيد دايمًا حلو، بيلمع، مغري؛ لغاية ما يبقى في إيدينا.. ساعتها المعاملة بتتغير، الاهتمام بيقل لغاية ما ينعدم، حرارة المشاعر تقل لغاية ما تموت، وتسوء المعاملة، ويسعى بكل الطرق لاستغلال سُلطة بيديها لنفسه باسم الحب على الطرف التاني؛ فيحاول يقهره.
للأسف عادة الإنسان اللي بيعاني من نقص؛ بيحاول يعوّض ده من خلال استغلال أي سُلطة له على اللي حواليه، حتى لو السُلطة دي في نشاط طُلابي، أو في علاقته مع شريكه في علاقتهم العاطفية.. ولأننا في مجتمع بينتج الأمراض النفسية ومُركبات النقص، زي ما بينتج الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي، فهنلاقي حالات القهر والاستغلال من بوابة المحبة كتير جدًا، حتى تكاد تُشكّل نسبة كبيرة من العلاقات العاطفية في مجتمعنا.
مفيش حد يقدر يظلم الإنسان أد نفسه، خصوصًا لما بينسى قيمتها، ويسمح لإنسان يستغله، ويفرض عليه قواعد للعلاقة هو يستحق أفضل منها بكتير جدًا.. عشان يقدر حد يستعبد غيره باسم الحب، ويفرض عليه سُلطة وتبدأ عملية القهر بالتدريج، للأسف الإنسان المقهور ده لازم تكون عنده من جواه أساسًا قابلية الانسحاق، مستعد يشوف نفسه قُليل، مش شايف نفسه يستحق الأفضل، مستعد إنه يتعرض للاستغلال عشان ياخد أبسط حاجات من حقه في الأصل.
الحب هو أكتر علاقة إنسانية ممكن يبذل الإنسان فيها تضحيات كتير؛ عشان تكمل، خصوصًا لو الطرف التاني بيساهم وبيضحي برضو.. بس القبول بدور الضحية، والخضوع لممارسات غير سويّة؛ لتعويض عُقد نقص طرف على حساب التاني، مفيهوش أي نوع من التضحية.. ده جحود تجاه النفس.. ومفيش أسوأ من جحود الإنسان تجاه روحه.