
لماذا نُعجَب عادةً بالسيكوباتيين؟

أحمد مدحت
29 أكتوبر 2017
صديقة ليا في مرة قالتلي بمرارة وهي بتضحك: "أنا متعلقتش في حياتي غير برجالة سايكوباتيين، كلهم؛ سواء اللي قربت منهم ودخلنا في علاقة ارتباط، أو اللي أُعجبت بيهم من بعيد لبعيد.. كأن روحي مبتتعلقش غير بالشخصيات المريضة بالشكل ده!"
تعريف "السايكوباتي" بشكل مُبسّط جدًا؛ إنه الشخص الشرير من أجل الشر، المحب للشر بدون هدف رئيسي غير الشر والأذى؛ وكأنه اختيار وهدف مبدأي في الحياة؛ مش محتاج لدوافع تانية معاه، إلا لو كانت على سبيل الاكسسوارات؛ تكمل شكله بس مش أكتر؛ وعشان كده هتلاقي ناس كتير محترفة في الأذى؛ من أجل لا شيء تقريبًا؛ إلا كونه مُتعة خاصة وسادية جدًا ليهم.. فكّر كده؛ أكيد هتلاقي قابلت من النوعية دي في طريقك!
بعد كام يوم من كلامي مع صديقتي، لقيت نفسي بفكر في اللي قالته بعمق أكتر، واكتشفتْ إني مش بعيد عنه أوي؛ بس الحمد لله مكنتش بنجذب لشخصيات سايكوباتية في إطار علاقات عاطفية، بس في مرحلة من حياتي، يمكن لغاية سنتين فاتوا بالظبط، كنت بدخّلهم دايرة أصدقائي، وبدفع تمن غالي أوي عشان أكتشف حقيقة وجوهر شخصياتهم؛ تمن من روحي وأعصابي وثقتي بالناس.
(2)
المصيبة دومًا تكمن في ظننا أننا أقوى من أن نُكسَر أو نتعرض للأذى، الذي تعرّض له غيرنا.
الفكرة الرئيسية في الموضوع إن الشخصيات السايكوباتية عادةً بيكونوا ناجحين جدًا في إنهم يكونوا جذّابين؛ والأمر هنا بيتخطى حدود جمال الشكل، أو المظهر الأنيق بس؛ لأنهم بيكونوا ناجحين في خلق هالة من الجاذبية حواليهم؛ كأنهم محاطين بمغناطيش لجذب الناس ليهم؛ إعجابًا وفضولًا؛ يمكن لأننا دايمًا ميّالين- بحكم غرورنا الإنساني- لملاعبة الخطر وحب الاقتراب منه لأقصى درجة؟
طبعًا أكثر ضحايا السايكوباتيين بيكونوا شركاءهم في العلاقات العاطفية؛ لأنهم بيتمتعوا بقدرة لا محدودة على امتصاص طاقة شريكهم في العلاقة لآخر قطرة.. والمصيبة إنهم ناجحين جدًا في تقمُّص دور المظلوم والضحية على طول الخط، ولأن الشر عادةً بيكون مصحوب بالذكاء؛ فبيكونوا قادرين على تلفيق الحقايق، وقلب نتيجة أي خلاف لصالحهم؛ فينقلوا نفسهم بسلاسة شديدة من خانة الظالم للمظلوم.
أمّا لو وقعت في علاقة صداقة مع شخص سايكوباتي؛ فغالبًا علاقتكم هتتلخص في استنزافه لطاقتك وقدرتك على العطاء، مع تأكيده الدائم إنك مبتديهوش حقه كصديق، وإنك مقصّر معاه دايمًا، مهما بذلت من تضحيات؛ فأنت دايمًا مُقصِّر وهو مستحملك.
المهم تقدر تخرج من علاقتك معاه، أيًا كانت طبيعتها، قبل ما تنتهي مرحلة الاستكشاف، ويبدأ يمارس هوايته في الأذى المباشر الصريح، اللي بتفضل آثاره في نفسية ضحيته، حتى بعد ما بتنتهي العلاقة.
(3)
الشر دايمًا برّاق، لامع ومبهر؛ حتى أشد الديكتاتوريين دموية وظلمًا لشعوبهم عادةً بيكونوا خُطباء مُفوّهين، وشخصيات ملهمة جدًا من الناحية المظهرية، وأصحاب كاريزما كاسحة قادرة على اختراق القلوب وأسر العقول.
غالبًا عنصر الجذب في أي فيلم بيكون شخصية "الشرير"، بينما شخصية البطل الطيب بتكون مملة؛ لأنها عادية أكثر من اللازم.. المصيبة إن الإنسان في مرحلة مُبكرة من حياته بيتعامل مع الحياة بمنطق تعامله مع السينما؛ فتلاقيه بينجذب للمبهر بشكل زايد عن اللازم، اللامع البرّاق الجذّاب بشكل سطحي.. وغالبًا ده بيكون بداية طريق المعاناة الخاص بيه.
في مرحلة متقدمة نوعًا ما من حياة الإنسان، بعد ما بيكون دفع تمن غالي، بيبدأ يدرك إن معيار الانجذاب في العلاقات الإنسانية لازم يكون محوره أعمق من الإعجاب الأول، والانجذاب اللحظي.. وإن كتير من البشر الطيبين فعلًا في معدنهم، بيبانوا مملين إلى حد ما، عاديين لدرجة كبيرة؛ لأن جوهرهم المُبهر بيحتاج وقت ومجهود عشان يبدأ يبان ويظهر؛ جمالهم المُبهِر مش ظاهر للكل، ولا عندهم مهارة الاستعراض ولفت الأنظار.. وده جمال يستحق عناء اكتشافه؛ لأنه حقيقي.