
عن أهمية أن تحب نفسك قليلًا

أحمد مدحت
09 نوفمبر 2017
من أصعب الأشياء اللي ممكن يكتشفها الإنسان، اكتشافه إنه ميعرفش نفسه كفاية، ميعرفش أكتر كيان ملازم لوجوده: نفسه بكل أبعادها الطيبة والسيئة، ويكون غير مدرك لمواطن قوة وضعف روحه.. والمصيبة الأكبر إنه يعيش ويموت من غير ما يكتشف أهمية الموضوع من الأساس، من غير ما يدرك جهله من عدمه بروحه.
للأسف الشديد لا طبيعة التعليم في مصر، ولا طبيعة التربية، بيساعدوا الإنسان إنه يدرك ده في مراحل مُبكرة من حياته، إلا فيما بعد، بعد مرحلة معينة من النُضج، أو بفعل تربية واعية بأهمية الموضوع من الأهل؛ معظمنا أساسًا بيتربى عشان يكون نسخة ممن سبقوه، في معايير النجاح والفشل والصح والغلط، اللي حطها اللي قابلينها، حتى لو كانت خالية من أي منطق.. كل ده بيصب في تجهيل الإنسان بنفسه؛ إيه أهمية إني أعرف نفسي وأنا أساسًا ماشي متغمي على السكة اللي اختاروهالي؟
فيه ناس الموضوع بيتحول عندهم لهاجس ضاغط جدًا عليهم؛ لدرجة جلد الذات ومحاسبتها على أدق الصغائر، أبسط غلطة بيرتكبوها بتتحول لعذاب ضمير رهيب؛ بينتج عنه في حالات كتير عدم تقدير كبير لأنفسهم.. جزء كبير جدًا من معاناة الناس لما بينفردوا بأنفسهم إنهم مش بيحبوا أرواحهم كفاية، مش متقبلينها.. وبتكون لحظات تقيلة جدًا لما تضطر تواجه نفسك أخيرًا منفردًا، بعيدًا عن دوشة الحياة، هنا بتتحط في مواجهة كل الأسئلة والمخاوف الغير محسومة جواك.
وكل ده بيكون بدايته نقطة رئيسية واحدة: إنك تكون مبتحبش نفسك كفاية.
(2)
الإنسان المتقبل لذاته بدرجة معقولة مبيكونش عُرضة للاستغلال المعنوي والمادي، زي الإنسان اللي بيعاني من صعوبة تقبُّل نفسه؛ فقدان الثقة في النفس مرعب، وبيسهّل جدًا طريق إن الإنسان يبقى هش نفسيًا، سهل الانقياد، ومؤهل إنه يلعب دور الضحية.
الفكرة إن الاستغلال هنا بيكون من نوع خاص، وذكي جدًا؛ استغلال قائم على منح الشخص اللي بيعاني من أزمة تقبُّل نفسه مشاعر نبيلة زي الحب والتقبُّل، كل الحاجات اللي ناقصاه واللي بنسبة كبيرة جدًا ملقهاش في بيته وطفولته ونشأته الأولى، بس المشاعر الجميلة دي دايمًا بتكون مشروطة، مشروطة بإنهم يكونوا دايمًا يكونوا الطرف اللي بيبذل أضعاف أضعاف ما بياخد، يمكن بيتعرض لإهانات أحيانًا، كل ده لأن أحاسيس المحبة والتقبُّل اللي بيُمنحوا له من الطرف التاني بيكونوا مشروطين، مشروطين بإنه يكون في دور "الضحية".
عادةً البشر اللي بيعانوا من مشاكل زي دي بيكونوا حرصين جدًا في تعاملاتهم مع أي حد، حرصين لدرجة الخوف، بس لما بيطمنوا، ويآمنوا للشخص الغلط، خصوصًا لو شاف فيهم احتياجهم لإحساس "التقبُّل" تحديدًا، بيدفعوا تمن غالي جدًا في علاقاتهم دي، خصوصًا لو ادمنوا تلقي إحساس المحبة من شخص بيديلهم المشاعر الإيجابية دي دايمًا في انتظار مقابل ظالم ليهم.
شيء سئ جدًا إنك تحس إن فيه إنسان، صديق أو شريك في علاقة عاطفية أيًا كانت درجتها، بيحسسك إنه بيتفضل عليك إنه بيحبك.
(3)
مفيش إنسان، مهما بلغت درجة قوته وثباته النفسي، مش بيكون مستني يحس من القريبين منه إنه محبوب، ويحس منهم بالتقبُّل الحقيقي له، بحسناته وخطاياه.. لكن درجة الاحتياج بتختلف من إنسان يمتلك قدر كافي من التقبُّل والمحبة والاحترام لنفسه، وإنسان محروم من ده تمامًا.. وطبعًا في مجتمع معظم أفراده بيتعرضوا لتجارب سيئة جدًا في طفولتهم بخصوص ثقتهم بأنفسهم، وبتستمر معاهم على مدار مراهقتهم وشبابهم، طبيعي إن كتير من أفراده يكونوا موجوعين بقدان إحساس تقبّلهم لأنفسهم.
تعرُّف الإنسان على نفسه ممكن تكون أهم خطوة عملية في حياته، وتسبق أهميتها معظم ما دونها؛ لأن نتايج وقرارات كتير جدًا بتترتب عليها؛ علاقات كتير بنتخلص منها لما ندرك إننا نستحق الأفضل، حاجات كتير بنعملها في أرواحنا ممكن نكتشف إننا لازم نبطلها؛ لأننا لا نستحق كل هذا العقاب وما يترتب عليه من وجع ومعاناة.. نظرة بسيطة مننا في المراية لنفسنا؛ يمكن ندرك إن الشخص اللي بيبصلنا من الناحية التانية يستحق مننا بعض المصارحة، والتوقف عن أذيته بكل الأشكال، والتوقف عن أي أذى بنمارسه تجاه الآخرين وإحنا مُدركينه؛ عشان نقدر نبص في المراية ونبتسم، ولو ببعض الرضا، وإحساس حقيقي بالتقبُّل.