حكاية الذين أتوا إلينا بحثًا عن البريق

حكاية الذين أتوا إلينا بحثًا عن البريق

أحمد مدحت

أحمد مدحت

22 نوفمبر 2017

 

لما بفكر في الناس اللي دخلوا حياتي، خلال السنتين اللي فاتوا بالتحديد، وبعدوا تمامًا، وانتقل بعضهم من خانة الأقربين ليا لعالم الغرباء بالنسبالي، اللي معرفش عنهم أي حاجة، بلاقي إن سبب نفوري التدريجي من معظمهم بيتمركز حوالين سبب واحد: اكتشافي إن محبتهم ليا متجاوزتش مرحلة "الانبهار"؛ التعلُّق ببريق ما بدا لهم في لحظات معينة في شخصيتي، وظنوا إنه موجود على طول، وبالضرورة هكون مُطالب إنهم يشوفوا مني، في كل أحوالي، ما كان بالنسبة ليهم مبهر وآخّاذ.

 

يمكن كانت فكرتي عن نفسي في وقت ما إني مُطالب دايمًا أكون زي ما معظم القريبين مني مستنيين مني، لازم أكون السوبرمان؛ اللي دايمًا نشيط وملهم وبيحل المشاكل وبيخرج المكتئب من حالته؛ كأني مطالب دومًا إني أكون في حالة "الإشعاع" دي.. ومع الوقت اكتشفتْ إن ده مش مستحيل بس، لا ده كمان شيء ظالم جدًا ليّا؛ مجرد ظني في نفسي إني مطالب أكون كده ده في حد ذاته ضغط نفسي رهيب بحطه على روحي؛ ظلم مستحقوش، حتى لو ده اللي هيريح بعض اللي مفروض بيحبوني.

 

إدراكي إن حدود التضحية؛ عشان اللي بتحبهم، مفروض تقف عند النقطة اللي بيكون فيها ده على حساب صحتك النفسية والجسدية، كانت لحظة فاصلة في علاقتي بناس كتير.. ساءتْ علاقتي بيهم، وأغلبهم انقطعت العلاقة تمامًا.. لكن تحسنتْ علاقتي بنفسي كتير جدًا.

 

(2)

مع مرور الوقت، ابتديت أكوّن فكرة شخصية بسيطة عن مفهومي للعلاقات الإنسانية الناجحة؛ إنها العلاقة اللي بتكون ماشية ومستقرة من غير ما كل شوية تتعبك، وتخليك تفكر كتير بخصوصها كأنها حمل تقيل، العلاقة اللي لما تيجي على بالك، أو تشوف رقم شريكك فيها على التليفون، أو رسالة منه، ترد وأنت مطمن من غير تفكير، مطمن إنها غالبًا مكالمة أو محادثة مش هتهدر طاقتك اللي أساسًا يا دوب سانداك بالعافية.

 

علاقات بتخليك تغير حاجات مش عاجباك في نفسك ببطء، وبسلاسة؛ تغيّرها عشان تبقى أفضل وترتاح أكتر، وطرف العلاقة التاني تلاقيه بيساعدك على كده؛ عشان راحتك قبل راحته، عشان تبقى أحسن على كل المستويات... علاقات بتمشي الحياة معاها؛ مش بتقف كل شوية وتتعطل بسببها؛ لأنها اتبنت وكملت على ما هو أكبر من الانبهار الوقتي بالبريق واللمعان، اللي غيرنا بيشوفه فينا في الأول.

 

والأهم، إنها اتبنت مع ناس مش منتظرين يعوضوا نقصهم بينا؛ بشكل يجي علينا.

 

(3)

ألطف أشكال الأُنس بالأحبة بتكون خلال الأوقات اللي بنشاركهم فيها أبسط الأشياء، حتى لو مجرد إننا قاعدين سوا وساكتين، وكل واحد مشغول بحاجة معينة، بس حبل الود والتواصل ممدود، ولو بضحكة أو كلمة كل كام دقيقة.. كل ده بيبدأ لازم بالانبهار؛ بننبهر بلمحة أو حاجة في شخص معين؛ بنحسه مختلف؛ فبنقرر نقربله أو نسمحله إنه يقربلنا؛ عشان نبني سوا علاقة لازم تكون مبنية على حاجات أكبر بكتير من سبب الانبهار الأول.

 

الناس اللي بيدخلوا معانا في علاقات إنسانية، أيًا كان نوعها؛ عشان منبهرين بشيء معين فينا، دون سواه؛ غالبًا مبيكملوش السكة معانا؛ لأن الواحد بيلاقي نفسه دايمًا مطالب بإرضائهم؛ من خلال الشيء اللي انبهروا بيه فينا، وبسببه بس موجودين معانا.

 

اللي بيحب بصدق بينبهر باللي بيحبه، سواء صديق أو شريك علاقة عاطفية، بس انبهاره ده بيكون متعلق بأبسط تفاصيل اللي بيحبه، انبهار بالشخصية كلها على بعضها، بنقائصها ومميزاتها، بكل ما فيها من عظمة وضعف متجاورين مع بعض.. ساعتها بنحس إننا حلوين؛ بنشوف نفسنا كويسين ومبهرين، حتى بالعيوب اللي ماليانا، زي ما بننبهر باللي بنحبهم برضو.. وده الانبهار الحقيقي اللي بيعيش، مش مجرد بريق لحظي، زي فلاش الكاميرا، مهما طال، لازم يجيله يوم وينطفي.