هروبًا نحو الحرية

هروبًا نحو الحرية

أحمد مدحت

أحمد مدحت

11 ديسمبر 2017

 

12 سنة جواز، 12 سنة معاناة تم استنزافها خلالهم بكل الأشكال اللي أي حد ممكن يتخيلها.. 12 سنة اتحولتْ فيهم من البنت الجميلة؛ اللي بتشع دايمًا طاقة وحيوية وحركة ونشاط وتشجيع للي حواليها على إنهم يبقى أفضل في كل مناحي حياتهم، لـ ست ملامحها أكبر بكتير من سنها، فقدتْ اهتمامها بمظهرها، بعد ما فقدت إحساسها بجمالها، وزاد وزنها، وتعبتْ صحيًا بسبب الضغوط اللي اتعرضتلها، واتحولتْ الوردة الجميلة لنبات دبلان، ميت رغم مظهره إنه حي.

 

يمكن بسبب السن الصغير، يمكن لأنه كان يبان من بره أجمل بكتير جدًا من حقيقته، لكن النتيجة واحدة، وهي إنها اتجوزت واحد رمى عليها كل شيء، راجل ميعرفش عن المسئولية إلا الصوت العالي.. مسئولية إقامة البيت تقريبًا كلها شالتها، من بعد 3 سنين جواز لما ساب شغله، وقعد عاطل، وبقت هي اللي بتصرف على البيت بشكل شبه كامل من شغلها، وتربي وتعلِّم الأولاد، وهو اتعوِّد على حياة البطالة، ووجد فيها متعة، وكمان مكنش راضي عنها ولا عاجباه! استحملت إهانات كتير، صحيح إنها مكنتش بتوصل للضرب، لكن كلامه الجارح في أحيان كتيرة بيكون أسوأ من الرصاص؛ تقليله منها في كل شيء كان لوحده كفيل إنه يندِّمها كل يوم على قرار الجواز من أساسه.

 

كل ليلة كانت بتفكر بدل المرة 100 مرة إنها تطلق، تمشي، تخرج من السجن اللي وقعت في أسره، بس بصّة منها على عيالها النايمين في سرايرهم كانت بتخليها ترجع عن قرارها؛ ظنًا منها إنها كده بتضحي بنفسها عشان تربيهم في بيت مستقر فيه أب وأم.

 

من غير ما تفكر مع نفسها بجدية للحظات: هو المسجون يقدر يربي أبناء أسوياء؟ هل يقدر يزرع فيهم الخير والعدل والحرية، وهو بينزف كل يوم جزء من كرامته وعمره؟

 

(2)

لو غلط الإنسان مرة في اختيار طرف علاقة قوية مؤثرة في حياته، يُعتبر خروجه من العلاقة دي ضعف أو تخاذل منه، أو عيب فيه؟

 

من فترة كبيرة كان شاغلني السؤال ده، وأعتقد دلوقتي إن الواقع والتجارب بيقولوا إن فيه علاقات مينفعش تكمل، منقدرش نستمر فيها من غير ما نخسر جزء من روحنا.. والهروب من الخسارة دي بيكون حله الوحيد إننا نخرج من العلاقة دي؛ ننهيها مهما كان التمن، ومهما كان قدر المحبة اللي بنضمره لطرفها التاني.

 

قدرة الإنسان على المحاولة وتكرارها محدودة؛ لأن قدرته على تحمل الضغوط محدودة مهما ظهرتْ عظيمة، ومهما دفعته محبته إنه يستحمل ويجي على نفسه.. عند مرحلة معينة بيكون الإنسان قُدام اختيار من اتنين، خصوصًا في علاقات الارتباط العاطفي: يا إمّا يكمل في صُحبة شخص بيدمره وبيهد فيه؛ ويتحول مع الوقت لحُطام، بقايا بشرية مفيهاش روح حتى لو بيتنفس.. أو إنه يقدر ياخد قرار إنه ينهي استنزافه بإيده.. ويخرج من سجنه.

 

فيه علاقات مبتتصلحش، وفيه بشر مهما تحاول معاهم مفيش فايدة ولا حل غير البُعد عنهم، مهما كان قدر المحبة اللي جواك ليهم.. دي الحقيقة المؤسفة، اللي بتطلب من الإنسان قدر معين من النُضج والواقعية؛ عشان يستوعبها.. يستوعبها قبل ما يفوت الأوان.

 

(3)

مفيش حد في العيلة وقف معاها لما طلبتْ الطلاق، وصممتْ عليه.. الكل لامها وهاجمها؛ لأنها هي اللي طلبتْ الانفصال، والزوج اللي وجوده كان زي عدمه مبقاش على لسانه غير إنه متمسك بيها، ومش عاوز يبعد عنها ولا عن ولاده.. ونجح إنه يحطها في دور الشرير، قُدّام ناس كانوا مستعدين يشوفوها في دور الجاني، بغض النظر عن كل اللي يعرفوه عن طبيعة حياتهم سوا طول سنين جوازهم، وكأن مجرد رغبتها في النجاة بنفسها من علاقة بتؤذيها باستمرارها كل يوم فيها أذى مضاعف، جريمة لا تُغتفر.

 

ارتياحها لقرارها مكنش سببه الوحيد رغبتها في النجاة الشخصية بس، لكن كمان إنها لاحظت إن ولادها مش أسوياء نفسيًا بالشكل اللي كانت متخيلة إنها بتضحي عشانه بنفسها وعمرها؛ كل يوم كانت بتكتشف إن الأبناء، وبالرغم من سنهم الصغير، بيظهر في تصرفاتهم وكلامهم تأثرهم النفسي الشديد بعدم انتظام الحياة في البيت وطبيعة العلاقة بين الأب والأم بشكلها الطبيعي.

 

12 سنة سجن كان ممكن تختصرهم  لو قررِتْ من بدري إنها متستحقش كده، وإن التضحية لها حدود، بتنتهي عند صحتها النفسية والجسدية.. ولو كانت أدركت من بدري إن فيه علاقات مينفعش معاها المحاولة بعد ما التجربة بتثبتلنا إن مفيش فايدة، وإن التسليم بالواقع وقتها بيكون الرهان الوحيد الكسبان، وإن الهروب وقتها مبيكونش جُبن، ولا تخاذل، بل أحيانًا بيكون الهروب تجاه الحرية هو أكثر القرارات نُبلًا وشجاعة؛ شجاعة تقبُّل الواقع.