التفكير الابتكاري.. بالبلدي !

بالعقل كده (16)

التفكير الابتكاري.. بالبلدي !

فتحى النادى

فتحى النادى

10 مارس 2016

 

نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.


التفكير الابتكاري وسيلة من وسائل علم الإدارة، يهدف إلى استثارة المخ باستخدام ما يسمى بـ "العصف الذهني" من خلال كلمة أو عبارة أو فكرة حتى لو كانت خيالية وغير واقعية بهدف "توليد" بدائل لحل مشكلة ما أو "رؤية" لموضوع ما من زاوية أو زوايا مختلفة.

ومن هذا المنطلق فإن تشجيع التفكير الابتكاري يقضي على الجمود في المواقف وطريقة التفكير ويساعد من يحاول التفكير بطريقة مختلفة أن يرى أبعادًا مختلفة للموضوع الذي يبحثه مما يساعده على المفاضلة بين البدائل ومن ثم اتخاذ القرار الصائب بشأن هذا الموضوع.


لذلك كنت بين الحين والحين ألجأ لتلك الطريقة مع طلابي ومع المتدربين لتعويدهم على كسر حاجز الخوف من التفكير خارج الصندوق وإجهاد عقولهم في اقتراح واستخلاص النتائج، تمامًا كمن يعرض شرائح مصورة لموضوع ما من جوانبه المختلفة ويصل في النهاية إلى نتيجة سوف يبني عليها قرارًا يحل به مشكلة أو يبدأ به مشروعًا أو يشترك به في حوار.


وأذكر أني لتقريب معنى التفكير الابتكاري في الاقتصاد قد طرحت على طلابي في الماجستير مرة أن يفكروا في مشروع "ربّي معزة" كمشروع قومي لمصر يشترك فيه كل مصري ولو بسهم الذي هو عبارة عن معزة أو ثمنها، وقلت إن غاندي قد استطاع بمشرع مماثل محاربة الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها وينهي احتلالها للهند، جوهرة التاج وأكبر سوق لاستهلاك المنتجات البريطانية.. وبعد تعيين مجلس الإدارة من الطلاب وتوزيع الاختصاصات وكتابة التوصيف الوظيفي لرئيس وأعضاء مجلس إدارة "الشركة القومية للمعيز" صاحبة المشروع ورؤساء القطاعات المختلفة ومديري الإدارات وصلنا معًا بعد ضحك ومزاح وتعليقات ساخرة والذي منه إلى دراسة جدوى أولية تبشر بكل الخير وتؤكد أن ربحية المشروع تأسيسًا على ما يلى:


أولًا: سعر السهم في متناول كل مصري حيث أن المطلوب أن يسهم كل عضو بمعزة أو ثمنها الذي يمكن تدبيره بقرض ميسر من أحد البنوك واخترنا "بنك المعيز الاجتماعي.


ثانيًا: بذلك تصبح شركتنا أكبر مصدر للمعيز في العالم حيث لا يوجد شركة في العالم حتى الآن عدد مساهميها يزيد عن الخمسة وثمانين مليونا (تعداد مصر وقتها).


ثالثًا: تكلفة تربية المعيز تكاد تكون صفر لأن المعيز تتغذى على الورق، وهو متوفر مجانًا في البيوت وفي شوارع وأزقة مصر.


رابعًا: نقضي على مشكلة القمامة نهائيًا في مصر بإطلاق المعيز في الشوارع تتغذى على ما يلقيه الناس في الشوارع تجنبًا لدفع خمسة جنيهات شهريًا لجامع القمامة.


خامسًا: نقضي على الفساد في المحليات ونخرب بيت شركات النظافة الأجنبية والمستفيدين من وراءهم والمتعاقدين معهم على "توسيخ مصر" لكي يستمر تجديد عقودهم السنوية.


سادسًا: نحقق اكتفاء ذاتي في إنتاج اللبن ونبدأ مشروعًا جديدًا يدر علينا أرباحًا هائلة شعاره (كوب لبن لكل مواطن يغنيك عن سؤال اللئيم).


سابعًا: نوزع مغازل على المساهمين وكل واحد يقعد جنب معزته يغزل شيئًا مفيدًا ونبيع إنتاجنا (مفارش، طواقي أو شنط قماش) بأسعار في متناول الناس.


وخلصنا في النهاية إلى أنه حتى لو فشل المشروع فلن يخسر أي مساهم ولا مليم من رأس المال العامل لسبب بسيط هو أن كل مساهم سوف يأخذ معزته ويذهب بها حيث يشاء.


والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو: أيهما أحوج للتفكير الابتكاري خارج الصندوق للقضاء على كم المشكلات المتراكمة والتي لا تتوافر الإمكانات لحلها بالطرق التقليدية الجامدة والتي تعتمد على الطرق المعتادة التي أساسها توفير الموارد أولًا ثم الشروع في الحل؟ الدول المتخلفة أم الدول المتقدمة.. الإجابة المنطقية هي أن الدول المتخلفة والنامية هي التي تحتاج بشدة لتغيير نمط تفكيرها، ولكن الغريب أن الدول المتقدمة هي التي لا تتوقف عن استخدام الطرق المبتكرة بصفة دائمة كنمط تفكير، وما تزال الدول المتخلفة تخشى التجريب وتخاف من المغامرات المحسوبة.. وبهذا تزداد الفجوة اتساعًا ويزداد المتقدم تقدمًا والمتأخر تأخرًا.