
بالعقل كده (17)
الزند.. دروس وعبر لمن يعتبر !

فتحى النادى
17 مارس 2016نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.
تدهشني حقيقة الضجة المثارة حول إقالة وزير العدل الذى أساء لمنصبه ليس فقط لسوء أدائه بالعديد من القرارات بالغة التحيز والتفضيل التى اتخذها لصالح من ينتمون للمؤسسة التى ينتمى إليها، ولكن بتصريحاته المتكررة التى تعبر عن آرائه فى العديد من القضايا والشأن العام والتى تحدى بها المنطق والعقل والرأى العام وكان ينوى تقنينها لتصبح قوانين نافذة تطبق على الناس.
أقول أن سوء أدائه وحده لم يدهشنى وإنما سوء أدبه كذلك حين تطاول على مقام خير خلق الله وخاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم والذى إن دل على شيء فإنما يدل على أن مرض الغرور والعنجهية وتضخم الذات قد بلغ عند هذا الرجل حدا أصبح من الضرورى معه عرضه على طبيب متخصص يعالجه من أعراض المرض النفسى الذى كان سببا فى الإطاحة به من منصبه الذى تولاه – فى نظرى – كمكافأة له على دور أداه ببراعة للإطاحة بحكم الإخوان وليس لأنه كان خير من يشغل المنصب.
كذلك فإن مصدر دهشتى ليس الضجة من مجموعة أصحاب الأقلام والحناجر من أصحاب المصالح فى بقائه على رأس أكثر الوزرات فى رأيى حساسية وأهمية فى حياة الناس، ولكن لأن الثورة التى أطاحت بنظام مبارك كانت تنادى أول ما نادت بالعدالة الاجتماعية التى كان ينبغى لهذا الوزير أن يكون إقرارها هو شغله الشاغل ولكن عمى البصيرة التى أصاب كل هؤلاء فظنوا أنه يمكن له أن يستمر حين يريدون هم وليس حين يريد من أتى به ويملك وحده أن يبقيه أو يقيله وقتما يشاء.. ولهذا جن جنونه وجنونهم معا حين حدث ما لم يكن فى حسبانهم ولازالوا فى حالة من الهذيان أظن أنه سوف يستمر لبعض الوقت.
تخيلت أن محكمة الرأى العام هى التى انعقدت وحاكمت الوزير السابق، وأنهم قد نصبونى مدعيا عاما مطلوب منه أن يقدم الحيثيات التى صدر الحكم بإقالته بناء عليها.. فماذا كانت تلك الحيثيات:
* لم ينأ بنفسه عن الدخول في لعبة السياسة وانغمس فيها حتى أذنيه، وبهذا فقد صلاحيته كقاض حتى قبل أن يعين وزيرا وظل يحتمى بلقب قاض لكى يحمى نفسه من أى انتقاد.
* كوفئ عن دوره السابق على تعيينه بأخطر منصب يتولاه وزير هو منصب وزير العدل فلم يتوقف لكى يعيد حساباته ويرتدى روب العدالة ويمسك بميزانها ويكرس ما بقى من حياته خادما في محراب الحق وإعادة الحقوق لأصحابها، بل تفرغ لكى يكرس وقته لنصرة الفئة التى جاء منها يجعل كل الحقوق لهم ولا حقوق لغيرهم.
* تعالى على الشعب وكرس لكى تكون الفئة التي قدم منها أسيادا وباقى الشعب عبيد مجاهرا بذلك ومعبرا عنه قولا وفعلا في أكثر من مناسبة ونسى أن تكنولوجيا التواصل تسجل كل حرف ينطق به مسئول وتحفظه فى سجلاتها دليلا دامغا يدحض كل كذب أو خداع.
* أسكرته السلطة وإستقوى على الدولة ورفض تقديم استقالته حين طلب منه ذلك وتمادى في غروره فظن أن المؤسسة التي ينتمى إليها فوق كل المؤسسات وأنها وحدها صاحبة الحق في تعيينه أو عزله فلجأ إليها واحتمى بها بمجرد أن علم بقرار إقالته.
* قتل نفسه بنفس السلاح الذى شق به طريقه للسلطة حيث صادق الميكروفون وأعجبته بلاغته فتمادى في استعراضها حتى أودت به بعد أن قام بنفسه بلف الحبل حول عنقه وتطاول على سيد الخلق بعد أن تطاول على كل الناس قبله.
* تسبب بتصريحاته غير المسئولة والمشحونة بالكراهية في توريط مصر دوليا وتأكيد صورتها الذهنية لدى الدول التي تحكمها مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان .. وهذه التهمة بالذات من أحقر التهم التي توجه لشخص أو دولة وترتبط في أذهان الغرب بالنازية والتصفية العرقية والتمييز العنصرى لجماعة أو فئة.
ترى هل يتعظ صاحب كل سلطة وسلطان ويدرك أنه مهما علا قدره فهو خادم لهذا الشعب المسكين الذى تحمل كثيرا وهو وحده الذى سيقرر في النهاية من معه ومن عليه، وأن الشعب مهما تحمل ومهما مورس عليه من جور وظلم سوف ينتصر في النهاية لأنه صاحب المصلحة العليا في تقرير مصيره بنفسه.