
وعد فأوفى.. والقادم أعجب !

محمد سعد عبدالحفيظ
01 يوليو 2017
منتصف نهار الأربعاء 28 يونيو تم تسريب خبر رفع أسعار الوقود بنسب تتجاوز الـ 40% تنفيذا لما تسميه سلطتنا السنية "أجندة الإصلاح الاقتصادي"، والطبيعي أن تتعامل الوكالات والمواقع الإخبارية مع الخبر الذي تسلل من مصدر مسئول بوزارة البترول باعتباره "top news" إلا أن ذلك لم يحدث، فبمجرد تداول الخبر سارع وزير البترول طارق الملا بنفيه.
نشر النفي فصار مقدما على الخبر باعتبار الأخير منسوب لمصدر مجهل بينما الأول خرج من الوزير المسئول، الملا قال في تصريحات صحفية قبل دخول مساء الأربعاء "موعد إصدار القرار لم يحدد بعد، وحتى الآن ليس هناك موعد محدد لإصدار الزيادة"، فعاد الناس إلى منازلهم بعد أول يوم عمل عقب إجازة عيد الفطر وهم مطمئنين أن الزيادة لن تطبق، لاسيما أن رئيس البرلمان نفى في ختام اجتماعات مجلسه قبل العيد الخبر وطلب من نوابه عدم التعامل مع تلك الشائعات.
في صباح اليوم التالي 29 يونيو وقبل أن يفيق المواطنون من نومهم شعروا بلسعة "كف" النظام تنزل على "قفاهم" بإعلان الحكومة في مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء شريف إسماعيل حضره وزير البترول صاحب النفي الذي لم يمر عليه أكثر من 12 ساعة، معلنة زيادة أسعار البنزين والجاز والغاز والبوتوجاز والكهرباء أيضا.
لم يعرف أحد على وجه التحديد لماذا نفى الملا الخبر مساء الأربعاء ثم عاد ليشارك في إعلانه ويسهب في شرح أسبابه صباح الخميس، "الزيادة ستسهم فى تحقيق وفر فى موازنة دعم المواد البترولية تصل إلى 35 مليار جنيه، والقرارات تصب في مصلحة المواطن وتهدف لتحسين مستوى المعيشة".. قال الوزير وهو يشير بأوسطه إلى مصلحة المواطن التي نالها ما نالها منذ أن تولى الرئيس السيسي منصبه قبل ثلاث سنوات.
قرار رفع الأسعار لم يكن مفاجئا، فالحكومة والبرلمان والإعلام والشعب كانوا على علم، وارد أن تكون نسبة الزيادة الأكبر من نوعها منذ بدء إجراءات تحرير دعم المواد البترولية هي التي فاجأت الناس، لكن السلطة بمؤسساتها المختلفة بشرتنا بهذا الخراب المستعجل تحت يافطة برنامج الإصلاح الاقتصادي قبل عاما تقريبا، والقرار الأخير تحديدا تم التأكيد عليه أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة.
استقبل المواطنون "القفا" كما تلقوا ما قبله، لم يتوجع منهم أحد بصوت عالٍ، اكتفى أصحاب المصلحة بوصلات "الهزار" على مواقع التواصل الاجتماعي، بلعوا وجع الزيادة الأخيرة وهم يبحثون عن مسكنات يعالجون بها "مصلحتهم" التي استهدفها نظام "نور عيننا".
في يونيو 2015 قال السيسي موجها كلامه لمواطني المحروسة: "سنتين كمان هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي"، حينها طلب أعضاء حزب الاستقرار ورافعي شعار "عايزين عجلة الإنتاج تدور" من أصحاب النظارات السوداء من أمثالك وأمثالي أن يعطوا للرجل فرصته ليعمل في صمت والحساب يجمع في يونيو 2017 بعد انتهاء العامين.
الحقيقة أن السيسي لم يخدع المصريين، فعندما بشرهم بـ "العجب" قبل عامين لم يسأله حينها أحد عن ماهية هذا العجب ولا طريقة الوصول إليه، حزب الكنبة تعامل مع "المخلص" باعتباره "بابا نويل" الذي سيخرج من جرابه أظرف العجب ويوزعها عليهم قبل انتهاء مدته الرئاسية الأولى.
بعد انقضاء المهلة التي حددها "رئيس الضرورة" اكتشف المصريون أن العجب الذي وعدهم به الرجل ما هو إلا مجموعة من الإخفاقات والفشل في معظم الملفات نتج عنها إفقار الشعب وتجويعه وإذلاله، والأعجب أن يمر ذلك دون أن يعارضه أحد أو يخرج عليه من خرجوا على أسلافه لأسباب لم يكن فيها التنازل عن تراب الوطن أو تحويل أكثر من نصف المصريين إلى فقراء في أقل من ثلاث سنوات أو تأميم المجال العام وتحويل مصر إلى سجن كبير لا يسمح فيه لأحد حتى بالصراخ.
لم يبرر السيسي كما اعتاد قرارات رفع الأسعار الأخيرة واكتفى في كلمته بمناسبة مرور 4 سنوات على 30 يونيو بالحديث عما أسماه " المسارات الثلاثة التى نتجت عن ثورة الثلاثين من يونيو"، وأشاد وهو يبتسم بصمت الشعب المطبق ورضائها وتفهمه وتحمله بشموخ لـ "القرارات الصعبة".
وعد السيسي فأوفى، بشرنا بـ "العجب" بعد عامين، وها هو العجب يحل على شوارع المدن والقرى في صورة صمت أو على الأكثر أنين مكتوم أو سخرية وهزل على مواقع التواصل الاجتماعي.. وأعتقد أن القادم أعجب.