قبل بلوغ محطة 2018

قبل بلوغ محطة 2018

عندما سأل الباحث فرانسيس هاجوبيان الرئيس البرازيلي الأسبق فرناندو كاردوسو عن وجهة نظره في عمليات التحول الديمقراطي التي تجري في عدد من دول العالم العربي وأثر التقنيات الحديثة والقوى المهيمنة والمؤثرة في عمليات الانتقال قبل عامين، حصر كاردوسو إجابته في عدد من النقاط، أبرزها:

 

* تتيح التقنيات الحديثة للناس وسيلة للتعبير عن أنفسهم، لكن المشكلة أنه من السهل التعبئة من أجل الهدم، بينما إعادة البناء أصعب بكثير، فتلك التقنيات ليست كافية لوحدها للقيام بالخطوة القادمة نحو المستقبل، فثمة ضرورة للمؤسسات، إضافة إلى القدرة على معرفة مبادئ القيادة وممارستها.. والتنظيم يعد ضروريا بأي حال.

 

* لا أعتقد أن التبشير بالديمقراطية يكفي، ولعل القضايا الكبرى هي العدالة والمساواة.. ولايزال من الصعوبة بمكان بناء الديمقراطية دون إحساس ملموس باحترام أكبر للآخرين، ولحقوق المواطنة والمساواة.

 

* ليس ثمة طريق مستنير للتقدم والديمقراطية، فالخلاص من النظام الاستبدادي أسهل من بناء ثقافة وممارسات ديمقراطية حقيقية.

 

* لم يحدث التغيير في البرازيل فجأة، ولم تكن هناك ساعة صفر، بل كانت سيرورة.. إنه انتقال توافقي، دون اتفاقات رسمية، وإنما من خلال التفاوض، ناضلنا وتفاوضنا سياسيا، تواجدنا في المجتمع والفضاءات المؤسسية، واجهنا النظام وتقاربنا مع القطاعات الساخطة عليه، بدأنا بجبهة معارضة وحيدة، ثم انقسمت الجبهة في الطريق، لكن تمكنا من التلاقي حول الأهداف الرئيسية على الرغم من تعدد المصالح.

 

***

لقد تمكن كاردوزو الذي تم نفيه وسجنه بعد أن أبعد عن عمله كأستاذ جامعي، ومعه عدد من القادة السياسيين والنقابيين، من نبذ خلافاتهم وتوحيد جهودهم وتحديد هدفهم، حتى تمكنوا في النهاية من استعادة الحكم المدني، وإنهاء الحكم العسكري، عبر الاحتجاج والتفاوض والمشاركة في الانتخابات واللعب على أخطاء النظام القمعي وفضحه أمام الرأي العام، وكان الفشل الاقتصادي وارتفاع التضخم الورقة الأهم التي تمكنت من خلالها المعارضة من حصار نظام الحكم القمعي، فماذا نحن فاعلون؟

 

ما يحدث في مصر الآن من ارتفاع في الأسعار وتدهور في الأحوال المعيشية لعموم الشعب وقمع للحريات وتنكيل بالمعارضين وتنازل عن أراضي الوطن ووضع خطط لنشر "الفوبيا"، يستدعي أن تتوحد قوى المعارضة المدنية وتتوافق على استراتيجية لصناعة بدائل وطرحها للرأي العام قبل دخول عام 2018 وانطلاق معركة الانتخابات الرئاسية.

 

أعتقد أن خوض القوى المدنية هذه المعركة خلف مرشح واحد فرض عين، حتى مع توقعات التزوير والتنكيل والمنع، فالاستحقاق الرئاسي القادم سيفتح الباب أمام نشر خطايا النظام الحالي وطرح البدائل الممكنة وتهيئة الشارع لما هو قادم.

 

خلال مؤتمر اندماج حزبى الكرامة والتيار الشعبى الذى عقد مطلع مايو الماضي، دعا المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى إلى تشكيل هيئة وطنية من القوى المحسوبة على ثورة 25 يناير للاتفاق على دعم مرشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، «إن المعركة الرئاسية المقبلة تحتم على التيار المدنى الوحدة والعمل بدءًا من الآن، من أجل اختيار مرشح وبرنامج رئاسى وفريق معاون له، بهدف استكمال أهداف الثورة التى انقلب عليها نظام الحكم الحالى».

 

وأغلق صباحى الباب أمام ترشحه فى المعركة المقبلة، «ترشحت مرتين فى 2012 و2014، والآن أدعوكم لاختيار مرشح سأكون جنديا فى حملته».

 

فى ذات المؤتمر ظهر المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات وألقى كلمة اعتبر فيها الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصة لتصحيح مسار الثورة، ودعا القوى المدنية إلى التوحد: «توحدوا ولا تنقسموا، فالحكام يدعون أنهم يطبقون القانون لكنهم أبعد ما يكونون عنه، كما أننا لا نطبق الدساتير وليس لدينا برلمان أو سلطة قضائية فى ظل تغول السلطة التنفيذية عليهما».

 

مر على المؤتمر نحو 3 أشهر ومع ذلك لم تلوح في الأفق أي بادرة عن توافق القوى المدنية على المرشح الرئاسي المنتظر، ولم نسمع عن مناقشات في أروقة الأحزاب عن بدائل، وكأن مصر كتب عليها أن تظل محاصرة بسياسات النظام الحالي.

 

لقد تمكنت المعارضة البرازيلية من تنظيم صفوفها، بعد عقدين من الإجراءات الاستثنائية، فرض فيها قادة الجيش حكما استبداديا علقوا فيها العمل بالمحاكم وأعلنوا حالة الطوارئ وحلوا الأحزاب السياسية وفرضوا الرقابة على الصحافة، وأخضع النظام العسكري خصومه لعمليات الاعتقال العشوائي والنفي خارج البلاد وعمليات تعذيب ممنهج أدت إلى موت المئات، فهل ننتظر 20 عاما حتى نصل إلى ما وصل إليه الرفاق في برازيليا؟