
قراءة الطالع في عيد ميلاد "العقرب"

جمال الجمل
19 نوفمبر 2016(1)
كان الناس في الأزمنة السحيقة يعتقدون أن لكل مولود "قرين حارس" بمثابة روح تلازمه وتحميه بأمر من الإله الذي يلتقي تاريخ ميلاده مع ميلاد الأشخاص الذين يتخذهم رعايا وعباداً له، كما أن له "قرين شرير" يحاول القضاء عليه في يوم مولده، وفي كل ذكرى سنوية لهذا اليوم، واعتقد الناس في اليونان وروما أن اجتماع الناس حول الشخص والاحتفال بصخب يمنع القرين الشرير من إيذاء المولود، ومن هنا نشأت فكرة الاحتفال بعيد الميلاد التي انتقلت من من الفراعنة والقياصرة إلى سائر الناس، خاصة بعد وضع التقويم وسهولة التعرف على التواريخ.
عندما حطت طائرة السادات بين أنياب إسرائيل في 19 نوفمبر 1977، كان الملازم عبد الفتاح السيسي عريساً جديداً يؤسس بيت الزوجية.
(2)
يمكنك أن تسخر من هذه المعلومات باعتبارها خرافة سادت لدى الفراعنة والإغريق، لكن لا تتمادى في السخرية، لأننا جميعا لانزال نعتقد في ذلك ونمارسه بطرق وافكار مختلفة قليلاً، فربما لا يكون لدينا آلهة متعددة كآلهة الأوليمب، وآلهة الوثنيين في الزمن القديم، لكن التعدد نفسه انتقل من الدين إلى الفكر والسياسة، وبالتالي فإن مفهوم الآلهة يمكن تسميته "الآباء" أو "المثل العليا" كما أن المعتقدات لم تعد بالضرورة هي الأديان، لكنها الافكار والتوجهات، أما مسألة تقسيم المواليد وتحديد صفاتهم حسب ارتباطهم بتواريخ تخص الآلهة المتعددة، فيمكنك فهمها من خلال اعتقاد أعداد كبيرة من الناس في فكرة "الأبراج".
(3)
لا أريد أن أسرح بكم في تهويمات ميثيولوجية ونظرية غامضة، لذلك سأضرب لكم مثلاً بيومنا هذا (19 نوفمبر) ولنعتبر أن الإله الحارس لهذا اليوم هو "العقرب" حسب تصنيف الشائع للأبراج الفلكية، وبالمناسبة فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي من مواليد هذا اليوم (كل سنة وانت عقرب يا ريس)
(4)
تعالوا نتعرف على مواصفات برج العقرب كما تقول المعلومات المتداولة على الشبكة العنكبوتية (وأرجو البحث على "جوحل" عن البرج للتأكد أن ما أكتبه ليس به أي تحريف اللهم في بعض الألفاظ التي لا تخرج عن المعنى، بل تربطه بالحاضر لا أكثر، وللأمانة سأضعها بين أقواس)، فالعقرب "برج مائي" (هذا يتماشى مع رجل ظل 10 سنوات لايحتفظ في ثلاجته إلا بالماء) مواليد العقرب من الرجال لديه أحاسيس غريبة وقوة فولاذية، شديد القسوة والتعقيد، شديد الحنان (يقتل ويسجن ويحنو)، لديه قدرة كبيرة على الحب، والتضحية، والصراحة، والإخلاص، والخيانة أيضا، يحب السيطرة والتملك، مستبد برايه ويشعر بالغيرة والشكوك، يريد أن يكون محط الأنظار، ويعيش كأن حياته معركة لابد من الانتصار فيها مهما كانت الوسائل، له منطق خاص لا يفهمه كثيرون، كتوم وغامض، يحب التعلم ولديه حاسة غريبة في معرفة الخفايا والنوايا (طبيب للفلاسفة يعني)، متعجرف انفعالي عنيد لا يعتذر ولا يعترف بأخطائه، لا يترك اساءة صغيرة كانت أم كبيرة تمر بسلام، قاس في احكامه وفي ردود أفعاله. معروف عنه شدة تعلقه بعائلته وأولاده، وكل شيء بالنسبة له محسوب.
(5)
كما قلت، فإن اليونانيين في أول الأمر لم يحتفلوا بأعياد ميلادهم كأفراد، بل كانوا يحتفلون كل شهر بعيد ميلاد إلهة القمر "آرتيميس"، يصنعون لها كعكة مستديرة تشبهها، يغرسون فيها الشموع لتماثل القمر الإله في استدارته وضيائه، وهكذا فإن عيد الميلاد يبدو وكأنه طقس يتمثل فيه الفرد صفات الإله الذي يعتقد فيه ويؤمن بأنه حارسه، قهل يمكن ببعض الاستظراف الاحتفالي أو الاعتقاد بالميثيولوجيا المستمرة من أيام اليونان إلى عصرنا أن نبحث عن الأمثلة التي يسعى مولود 19 نوفمبر لتمثلها؟!
(6)
عندما حطت طائرة السادات بين أنياب إسرائيل في 19 نوفمبر 1977، كان الملازم عبد الفتاح السيسي عريساً جديداً يؤسس بيت الزوجية ويبدأ حياته المستقلة بعد 7 أشهر من تخرجه ضمن 960 طالباً في الدفعة رقم 69 للكلية الحربية، لم يتحدث السيسي عن شعوره كضابط مشاة في ذلك اليوم الذي يصادف عيد ميلاده الـ23، والرقم بالمناسبة كبير، ويشير إلى تعثر الملازم لمدة عامين على الأقل في سنوات الدراسة، لم يتحدث عنهما أيضا، كما لم يتحدث عن شعوره في اليوم التالي وهو يستمع إلى خطاب السادات في الكنيست الإسرائيلي، فقد كبر الملازم وترقى تحت مظلة "السلام الانبطاحي" حتى صار القائد العام، ثم الأعلى لجيشٍ لم يحارب إسرائيل (العدو) منذ ذلك اليوم الذي صادف عيد ميلاده الأول بعد التخرج، بل أن الملازم ابن عطفة البرقوقية عندما صار "رئيساً" لم يتمثل عبد الناصر الذي سمع عن جيرته في السكن بحي الخرنفش، بل تمثل أحد "آلهته"، وأعلن أنه مستعد للذهاب إلى آخر العالم.. "بما في ذلك أسيوط ذاتها"، حيث أعلن من هناك مبادرته "الصريحة/ الكسيحة" لتوسل "السلام الدافيء" مع الأصدقاء الإسرائيليين!
هكذا كانت "تورتة الاحتفال" في أسيوط تتقرب وتتمثل "إله السلام الدافئ مع إسرائيل" الذي ولد في نهار مشؤوم يوم 19 نوفمبر .
(7)
هكذا كانت "تورتة الاحتفال" في أسيوط تتقرب وتتمثل "إله السلام الدافئ مع إسرائيل" الذي ولد في نهار مشؤوم يوم 19 نوفمبر 1977، وفرض على مصر "وصاياه المسمومة" لمصالحة العدو، والتطبيع معه والحنو عليه، حتى لو ضربنا وضرب أخوتنا على الخد الأيمن والأيسر وتحت الحزام، أما تورتة الاحتفال في 19 نوفمبر 2011 فكانت تتقرب وتتبع خُطا "إله الدم.. قاتل الشباب الثائر في شارع محمد محمود"، فقد انقلب "إله الحرب" ليواجه الداخل بدلا من الخارج، وفي العام الذي يليه كانت تورتة الاحتفال قربانا لمناجاة "إله الطموح" الذي أهدى "الفريق أول" حصان "جبهة الإنقاذ" في 19 نوفمبر 2012 ليساعده في تحقيق "نبوءة الأميجا"...
(9)
الضرورة تقتضي أن أتوقف عند هذا القدر من صفات "العقرب"، وأتوقف أيضا عن تتبع قرابينه لآلهته المتعددة في ذكرى عيد الميلاد، وأدعوكم جميعا للترحم على أرواح كل شهداء الحروب التسعة مع إسرائيل، وعلى أرواح 41 شهيداً لازالوا ينتظرون حصاد الثورة التي ماتوا من أجلها في "محمد محمود".
****
* لا تتوقف عند شكل الحكاية، ولا تستهين بالخرافة وتفسيراتها، وأكاذيب الأبراج ومصادفاتها، فكثير من القصص الخرافية لا تخلو من مغزى ومن حكمة ومن حقائق واقعية تنتظر من يلتقطها من بين السطور.
tamahi@hotmail.com