هآرتس: «طبطبة» ترامب على ظهر السيسي لن تسد جوع المصريين
شككت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أن ينقذ اللقاء الحار الذي جمع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض هذا الأسبوع ملايين المواطنين في مصر الآخذين في الانحدار تحت خط الفقر مع ارتفاع الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن الوقود والسلع الرئيسية.
وتطرق "تسفي برئيل" محلل الصحيفة للشئون العربية في تحليل بعنوان "الطبطبة على الظهر لا تكفي" للمعاناة اليومية التي يعيشها المواطن المصري الذي يضطر للعمل لثلاثة ورديات يوميا من أجل البقاء وإعالة أسرته، معتبرا أن قانون الرعاية الصحية الذي وافقت الحكومة المصرية عليه مؤخرا تشوبه الكثير من أوجه القصور، وأنه جاء فقط لتهدئة غضب المصريين.
إلى نص المقال..
الاستقبال الحار هذا الأسبوع للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بواشنطن بث روح الدفء في وسائل الإعلام المصرية. الابتسامات العريضة، الطبطبة الترامبية على كتف الرئيس المصري، والتصريحات التي تبدي التأييد لزعامته، أوجدت الانطباع الصحيح بقتح صفحة جديدة في العلاقات بين الدولتين.
بعد التنائي وحتى الاشمئزار المتبادل الذي ساد بين السيسي والرئيس السابق باراك أوباما، الذي لم يسارع لمنح تهانيه لاستيلاء الجنرال على الحكم في 2013، وطالب بالحرص على حقوق الإنسان- جاءت نسمة هواء منعشة تحتاجها مصر بشدة.
لكن كلام الإطراء المتبادل، وأيا كان أهميته، لا يكفي. السيسي بحاجة للمزيد. تحصل مصر من واشنطن على مساعدات مالية تقدر بنحو مليار ونصف دولار سنويا، مبلغ بسيط في ضوء جبل الاحتياجات الاقتصادية للبلاد، ومهين تقريبا مقارنة بالمساعدات التي تلقتها مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية من السعودية ودول الخليج، التي تقدر بــ 15 مليار دولار.
توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة سيفيد مصر بالطبع لدى حصولها على قروض مالية من مؤسسات تمويل دولية، وهو ما لوحظ في القرض الذي صدق عليه صندوق النقد الدولي- 12 مليار دولار- وكذلك قرض البنك الدولي. لكن المجتمع المصري يدفع ثمنا باهظا نظير تلك القروض، وربما أيضا استقرار النظام. فعلى سبيل المثال يطالب صندوق النقد الدولي مصر بتقليص كبير في مستوى الدعم الذي تقدمه للغذاء والوقود- خطوة أشبه ما تكون بتشغيل قنبلة موقوتة.
صحيح أن السيسي أثبت أن بإمكانه تقليص دعم الوقود، وهي الخطوة التي تجنبها النظام المصري على مدى سنوات، خوفا من مواجهات وتظاهرات شعبية، كتلك التي اندلعت في السبعينيات. أمر السيسي أيضا بمضاعفة رسوم التنقل في المترو، الذي يستخدمه ملايين المواطنيين في القاهرة، وحرر سعر الدولار وأدى لمضاعفة سعره أمام الجنيه المصري، وأصبحت ضريبة القيمة المضافة جزءا من منظومة الضرائب، وينوي فرض رسوم جديدة لتغطية خزينة الدولة.
لكن تقليص النفقات لا يمكن أن يكون بديلا للاستثمارات الأجنبية، وتطوير البنية التحتية تمهيدا لتلك الاستثمارات، وتشريعات تشجع المستثمرين الأجانب للقدوم إلى مصر. الدولة التي تحظى بالإطراء على الاصلاحات التي نفذتها والزيادة الكبيرة في احتياطها الأجنبي الذي وصل في مارس إلى نحو 28 مليار دولار (مقابل 26 مليار في شهر فبراير، و16.5 مليار قبل 5 شهور) تتحرك في اتجاهين متوازيين.
من جهة، تعمل مصر على تلبية مطالب مؤسسات التمويل الدولي، وفي المقابل فهي ملزمة بتهدئة الجماهير التي غضبت بعد الزيادة الحادة في الأسعار خلال النصف الثاني من العام الماضي.
قفزت أسعار بعض المنتجات 100%، بينما تراوح متوسط الزيادة بين 30 إلى 50%- فيما لم تبق الرواتب هزيلة مثلما كانت فحسب، بل تراجعت القوة الشرائية بعد تحرير الدولار. ولا ينطبق الأمر فقط على المستهلكين، فقد أدى تحرير سعر الدولار وتحديدا نقص الدولارات، لتقليص كبير في معدلات التصدير والقدرة على منافسة المنتجات المستوردة.
يعيش أكثر من نصف الشعب المصري تحت خط الفقر- بـ 1.9 دولار يوميا. ويعتمد نحو 70 مليون مواطن من بين 90 مليون بشكل مستمر على مخصصات السلع الرئيسية بأسعار منخفضة، يحصلون عليها من خلال الكروت الذكية من المتاجر المخصصة لذلك.
بالنسبة لتلك الطبقات الفقيرة فإن أي ارتفاع كبير في الأسعار، يعني مزيدا من الانحدار لقاع الفقر.
وافقت الحكومة هذا الأسبوع على قانون التأمين الصحي الشامل، الذي يتوقع أن يساعد 30 مليون مواطن غير قادرين على توفير تكاليف العلاج. وفقا للقانون المقترح، الذي سيطرح في القريب للتصويت داخل البرلمان، سيكون بإمكان كل من يتم تصنيفه كمحتاج الحصول على رعاية صحية وعلاج على نفقة الدولة. ظاهريا، يدور الحديث عن خطوة مهمة من شأنها تهدئة تأثير ارتفاع الأسعار والمساهمة في رفع متوسط أعمار المواطنين.
لكن معاينة مسودة القانون تظهر أنه يفتقد للحسابات المنطقية، فمن غير الواضح كم سيكلف خزينة الدولة- وفي الأساس، يتوقع أن يستغرق تطبيق القانون تدريجيا بين 10-12 عاما. ولا يفهم من القانون من سيتم اعتباره محتاجا، وأية رعاية ستقدم ولكم من الوقت سيحصل عليها بدون مقابل. كذلك من غير الواضح كيف يتسق هذا القانون مع توقعات مسودة الموازنة، الذي يقضي بأن يصل العجز هذا العام إلى 9%.
التداول الواسع، والتأييد الذي يحظى به القانون في وسائل الإعلام المصرية، يخدمان في الأثناء الحاجة لتهدئة الجماهير، التي تغلي بسبب ارتفاع الأسعار بالأسواق. كذلك تطرح مصر قانون استثمار جديد، يتم من خلاله اقتراح إعفاءات ضريبية، ومنح أراضي لبناء مصانع، وسن تشريعات من شأنها تقليل رحلة المشاق البيروقراطية، التي يتعين على المستثمر قطعها.
وفقا لهذا القانون، على هيئة الاستثمار منح موافقة على المشروع الجديد في غضون 60 يوما (مقارنة بعام إلى عامين في الوضع الحالي)، ويدفع المستثمرون في المشاريع التي جرى الموافقة عليها فقط من أجل تطوير الأرض- لكن ليس مقابل الأرض نفسها- و15% من قيمة الأرض كرسوم إدارة. حتى هنا يبدو كل شيء مؤكدا. المشكلة، كالعادة، في التطبيق وفي قدرة البيروقراطية الثقيلة والبطيئة على تلبية مطالب القانون، وإيجاد الأجواء الضرورية لتشجيع المستثمرين.
يتطلب كل ذلك هزة هائلة تزعزع المنظومات البيروقراطية التي تغط في سبات منذ أجيال. هذه جهود تتطلب حكومة فاعلة ووزراء لا يكتفون بالتصريحات. كذلك النوايا الحسنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يمكنها أن تبقي الموظف المصري أمام مكتبه في العمل ، وهو الذي يضطر للعمل ثلاث ورديات يوميا من أجل البقاء.