بالفيديو| محمد إبراهيم أبو سنة: الإعلام يتجاهل الشعر.. والدولة لا تهتم بالثقافة
صاحب تجربة شعرية وضعت اسمه في مصاف جيل الستينات، ليرسم خطوط مهمة في خريطة الشعر المصري والعربي، لما يتميز شعره بهدوء اللغة وسلاستها، وبروح ذاتية تتماشى مع قضية العشق التي فرد لها معظم قصائده، مخلفًا إنتاجا ضخما متنوعا بين الشعر والنقد والإذاعة، فهو يرى أنه طالما ارتبط بالقصيدة فهو على قيد الحياة، إنه الشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة.
بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للشعر كان لـ "مصر العربية" لقاء مع أبو سنة للحديث عن وضع الشعر الحالي ومستقبله.
كما تحدث أبو سنة عن تجربته الشعرية التي أنتجت العديد من الدواوين منها "قلبي وغازلة الثوب الأزرق، البحر موعدنا، الصراخ في الآبار القديمة، حديقة الشتاء، تأملات في المدن الحجرية".
وفيما يلي نص الحوار :
ونحن نحتفل اليوم باليوم العالمي للشعر.. كيف ترى الأوضاع التي آل إليها الشعر؟
هناك حركة إبداعية متدفقة من كل الأجيال، وهي حركة متطورة فهناك شعراء من الستينات السبعينات والثمانيات ومن الجيل الحديث، ولكن هناك انقطاع عن توجيه هذه الحركة والاهتمام بها من جانب الإعلام.
ومرت حركة الشعر منذ السبعينيات ببعض المشاكل نتيجة عدم التواصل بين الأجيال، فهناك صراع بين الأجيال ولا يوجد تواصل.
والشعر لم يحذى بقبول من ذائقة الرأي العام إلا من قبل المثقفين ومحبي الشعر، ﻷنه فن له خصوصية منذ 1400 عام، فهو له لغة مختلفة عن لغة الأشكال والأنواع الأدبية المختلفة، فهو يختلف كذلك عن لغة المسرح، وله لغته الخاصة، ونحن الآن في مرحلة توديع شعراء كبار، وفي نفس الوقت نستقبل شباب جديد وهذا يعطينا الأمل في مستقبل الشعر في مصر والعالم العربي.
وهل ترى النقد يقوم بدوره الداعم للشعر؟
حركة النقد بها تقصير في حق الشعر، ﻷن الشعر يحتاج إلى إقامة جسر ثقافي يربط بين حركة الإبداع والتلقي، هذا وسط انصراف الشباب إلى حد كبير عن قراءة الشعر، بجانب ما يسمون بشعراء الفيس بوك، والذين يمتلكون إبداعات غير مشبعة، من الممكن أن نقول عنها لحظات عابرة ليست إبداعًا حقيقًا، فهي ليست إبداعًا متماسكًا يتحدث بلغة الشعر الحقيقي عن العواطف والإنسان والقيم الكبرى التي عُرف بها الشعر.
وبماذا تفسر انصراف القراء عن الشعر؟
ﻷن اللغة التي يمتلكها الشعر هي لغة تحتاج إلى تدقيق وعمق في التواصل، والشباب ﻻ يمتلك هذه اللغة التي تجعله قادر على تذوق الشعر الحقيقي.
وما هو تعليقك عن انصراف دور النشر عن طباعة الدواوين الشعرية؟
مأساة ﻷن معظم دور النشر الحالية تبحث في المقام الأول عن الربح، ربما ﻻ يحققه الشعر في هذه المرحلة، ولهذا أطالب الدولة بأن تقوم هي بسد تلك الفجوة بتحرير حركة النشر من القيود ونشر الأعمال التي يبدعها الشباب مهما كانت هذه الأعمال لأنها معبرة عن مواهب الأجيال الجديدة وعن اللغة الشعرية الجديدة.
وفي كل هذه الظروف.. كيف ترى مستقبل الشعر؟
الشعر باقٍ ﻷنه جزء من النفس الإنسانية، الشعر قائم وموجود وحي في كل نفس وقلب بشري، ﻷنه في النهاية هو الجمال هو اللغة هو التواصل و الحرية، هذا الشعر ﻻ يمكن أن يموت بأي شكل من الأشكال، سيعود إلى التوازن، وسيعود إلى التوازن إذا كانت هناك حركة نقدية قوية، وأنا أطالب أجهزة الإعلام بالاهتمام بالشعر، وأن ﻻ يتوقف هذا الاهتمام فقط عند الأجيال الجديدة، فيجب أن يشمل اﻷجيال المختلفة منذ العصور القديمة.
وعلى المؤسسات المعنية باللغة أن توجه اهتمامها للشعر مثل مجمع اللغة العربية وأقسام اللغة العربية في الكليات المختلفة والمقررات التعليمية في المدارس المختلفة، للاهتمام بتأسيس تذوق شعري منذ البداية عند التلاميذ والأبناء في المدارس في المراحل المختلفة، والمؤسسة الثقافية عليها أن تنشر للشباب بكل المقاييس، وأن تحسن النماذج المقررة على التلاميذ.
ونحن نتصور أن الشعر قد مات، أين الشعر الذي مات؟، الذي حصل على نوبل في العام الماضي حصل عليها ﻷنه غير لغة الشعر، الشعر حي وباق وموجود في كل العالم، ولكن نحن نبرر لأنفسنا تقصيرنا بكلام هزيل، أبحثوا عن النماذج الجيدة وقدموها في التعليم، وعلى الشعراء أن يدافعوا عن أنفسهم في هذه المرحلة ﻷنهم سوف يستبعدون ويهموشون من خلال التجاهل الإعلامي.
من هم الكتاب الشباب الذي ترى أنهم يمتلكون تجربة شعرية تستحق الدعم والمتابعة؟
محمد منصور، سلمى فايد، حسن شهاب الدين، شيرين العدوي، الساحة ممتلئة بشعراء في مستوى رفيع وأنا أتنبأ بأن حركة الشعر سوف تعود مرة أخرى إذا اهتمامنا بتدريس اللغة العربية، التي تعاني الآن بتجاهل شديد خاصة مع انحياز الإعلام للغة العامية، وانتشار التعليم الأجنبي، فكيف يعيش الشعر وهو فن لغوي، في ظل الفوضى اللغوية في ظل تجاهل الشعراء الكبار والصغار، هناك عدم توزان في الرؤية النقدية.
ما هي الرسالة والهدف الذي يسعى الشعر لتقديمه ؟
الشعر هو صوت الهوية الإنسانية ﻷنه يعبر بلغة الإنسان المعني بالحفاظ على تاريخه وصوته وعلى لغته، وهو صوت اللغة القومية، وهو الحفاظ على تاريخ الأمة من خلال إحياء رموزها، ومواقفها وشخصيتها وأبطالها وحروبها وآمالها وطموحتها، هو صوت كل هذه الآمال التي تطرحها الأمم، الشعر دوره الأساسي هو ترقية اللغة الإنسانية والبحث عن الجمال، وتحقيق الجمال في اللغة والوجود أيضًا.
بعد مسيرة كبيرة من العطاء.. ما هي أبرز المراحل التي لا ينساها أبو سنة في حياته؟
أنا مررت في حياتي بعدد كبير من المراحل هذه المراحل مرتبطة ببعضها، فهناك مرحلة أسفرت عن ديواني اﻷول "قلبي وغازلة الثوب الأزرق" وأحسست أن هذا الديوان معبر عن المرحلة الغنائية وعلي أن أطور هذا الرؤية وهذا ما حدث في ديواني "حديقة الشتاء" وفي ديوان "الصراخ في الآبار القديمة".
ثم توقفت عند مرحلة صدور ديوان "أجراس المساء"، وهو كان تعبير عن تجربة عاطفية جسدتها في قصائد هذا الديوان، وكنت على تواصل دائم مع الحركة الشعرية وخصوصًا أنني كنت أعمل في البرنامج الثاني "الثقافي حاليًا" وكنت أقدم برنامج "ألوان من الشعر" لمدة 25 عامًا، وهذه التجربة وضعتني في قلب الشعر، وجعلتني على تواصل مع الشعراء.
في كل مرحلة من مراحل تطور تجربتي الشعرية كان يرافقني صوت النقد، ومن حسن حظي أنني أهتم بشعري عدد كبير من النقاد من الجيل الكبير.
ورغم كل هذا العطاء قلت سابقًَا أنك تمتلك عدم الرضا الكامل عن تجربتك الشعرية.. لماذا؟
هناك جوانب أفتقدها في تجربتي فكنت أحلم بأن أكتب مسرح شعري، وكتبت مسرحية "حصار القلعة، حمزة العرب" في الستينات، وتوقفت ﻷنني لم أجد التشجيع الكافي، ولكن رؤيتي المسرحية والنقدية انتقلت من المسرح إلى قصائدي، ولهذا ركزت على الدراما في القصيدة، أما الآن أعتقد أنني أقتربت من التجريد، ولكن هذا التجريد لم يغلق الباب أمام اختراق المراحل السابقة لأنها وضعتني في قلب جيل الستينات.
لكل كاتب هدف من كتاباته ما هو هدف الكتابة الشعرية لدى أبو سنة؟
التعبير عن إحساسي بهذا العالم، وبالبيئة التي أعيش فيها وبالوطن وباللغة التي أمتلكها وتمتلكني، بجانب هدف البحث عن الجمال الإنساني، وأهم ما أسعى إليه ألا أفتقد التجارب التي عشتها، وتجسيدها، ووجودي مرتبط بالقصيدة فطالما استطعت كتابتها فأنا على قيد الحياة.
هل ترى أن القوى الناعمه مُستغلة بالشكل الأمثل للدفاع عن الأزمات التي نواجهها مثل الإرهاب؟
هناك جهد كبير يبذله الشعراء والسينمائيون والفنانون التشكليون والروائيون والنقاد وكتاب القصة القصيرة، علينا أن نعطي فرصة أكبر لهذه القوى الناعمة أن تتغلغل في ضمير الشعب، لابد أن يشعر الشعب بمعنى الثقافة وأن تقف الدولة وراءها، أرى أن الثقافة الآن موجودة وحيه وتمارس دورها على استحياء وعلى الدولة أن تنظر إلي الثقافة باعتبارها سلاحًا يؤثر في تغيير هذا الواقع ومواجهة المصائب التي تلحق بالوطن مثل مصيبة الإرهاب.
هل ترى أن الدولة ترعى الأدب والثقافة بالشكل المطلوب؟
ﻻ، وأطالب الدولة بالمزيد، ووزير الثقافة الحالي حلمي النمنم يبذل جهد كبير ويمارس دوره بكل نشاط وخصوصًا أنه مثقف ويعرف معنى الثقافة، ولكن إمكانيات وزارة الثقافة المادية متواضعه، ونحن بحاجة أن نهتم بالمتاحف والفنون التشكلية والمسرح والشعر والرواية، بطريقة إيجابية وبقدر من التضحية المادية، وفتح الآفاق أمام قيمة الحرية.
وكيف ترى وضع حركة النقد في الوقت الحالي؟
أنا أعتقد أن الجيل الجديد من الشعراء يفتقد متابعة ومواكبة نقدية، وهناك صحف ومجلات لا تقوم بواجبها، والنقد يفتقد المساحة المطلوبة لتقديم واجبه، رغم أننا لدينا نقاد كبار مثل صلاح فضل، محمد عبد المطلب، عبد الناصر حسن، جابر عصفور، وصلتهم قوية بالواقع الثقافي وﻻ يتاح لهم تقديم كل عطائهم، إلا من خلال الكتب، نحن بحاجة إلى ثقافة تتجه للرأي العام، وأناشد النقاد الاهتمام بالأجيال الجديدة.
وبصفتك الإذاعية كيف ترى وضع الإذاعة؟
أطالب الإذاعة أن تهتم بحركة الشعر، فالشعر ﻻ تهتم به الشبكات الإذاعية إلا من خلال إذاعة البرنامج الثقافي، ولكنه ﻻ يقدم الشعر بالطريقة المطلوبة في حالات كثيرة جدًا، الإذاعة تعاني من حصار القنوات التليفزيونية، ولكنها من أكثر الوسائل فاعلية بالنسبة ﻹيصال العناصر الثقافية إلى القارئ، ولكن أين هي الثقافة في الإذاعة.
ما هي مشاريعك الأدبية الحالية التي تعمل عليها؟
منذ فترة أقرأ كثيرًا شعرًا ونثرًا وأعود مرة أخرى إلى الاستمتاع بالأشياء التي حُرمت منها أثناء عملي بالإذاعة، متفرغ للقراءة واِصطياد بعض القصائد التي يمكن أن تأتي لي.
شاهد الفيديو...