بصفقة القرن.. كيف أجبر ترامب رؤساء أمريكا المقبلين على طريقه؟

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

23:44 31 يناير 2020

هناك جانب أكثر خطورة على المدى الطويل للخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للسلام  بالشرق الأوسط أكثر من مجرد كونها خطة تنحاز بشكل شبه كامل إلى إسرائيل، وهو أن ما فعله "ترامب" سيكون له تأثير بعيد المدى، حيث إن خطته ستحد  بشكل خطير، من قدرة الولايات المتحدة المستقبلية على إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، علاوة على الوساطة الصادقة فيه.

 

وجاء الإعلان عن خطة "ترامب" بعد سلسلة من التحركات الأخرى المؤيدة لإسرائيل، من جانب "ترامب"، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق مكتب الفلسطينيين في واشنطن، وقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين، وكانت السلطة الفلسطينية قد قطعت منذ زمن بعيد اتصالاتها مع فريق "ترامب".

 

وبشكل عام، يبدو أن تصرفات "ترامب" مصممة للضغط على الفلسطينيين لإبرام صفقة سلام، حتى لو كانت بعيدة كل البعد عما يريدونه، وحتى الآن، قاوم الفلسطينيون؛ حيث قال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" إن شعبه يرد بـ"ألف لا".

 

ومع ذلك، على المدى الطويل، من خلال تأسيس "حقائق معينة على أرض الواقع"، بحجة تحقيق السلام، ربما يكون "ترامب" قد أعاد رسم الحدود المقبولة سياسيا لأي إدارة أمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، إذا أرادت التدخل في هذا الصراع،" وهو ما تشير إليه المحللة والكاتبة نهال الطوسي. مراسلة الشؤون الخارجية لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.

 

موقف مغاير

 

كان الموقف الأمريكي التقليدي هو أن يتم حل قضايا "الوضع النهائي" بشكل أفضل بمشاركة الطرفين، وهذا يعني أنه ينبغي لإسرائيل والفلسطينيين أن يتفقوا على الموضوعات الأكثر حساسية؛ حيث أعلن كل جانب عن مطالب غير قابلة للتفاوض، وقد سعى المسؤولون الأمريكيون منذ فترة طويلة لصياغة حلول وسط.

 

وترى "الطوسي" أن الوضع الآن بات مختلفا، حيث قد يتعرض رؤساء الولايات المتحدة في المستقبل لضغوط شديدة، لعكس قرار "ترامب" بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعلى سبيل المثال، أشار بعض الديمقراطيين، الذين يخوضون الانتخابات أمام "ترامب"، بالفعل إلى أنهم لن ينكروا الاعتراف ولن يعيدوا السفارة الأمريكية إلى تل أبيب.

 

وتضيف أنه من غير المحتمل أيضا أن يعكس الرؤساء الأمريكيون المستقبليون اعتراف "ترامب" بضم إسرائيل مرتفعات الجولان، وهي الأراضي التي تطالب بها سوريا.

 

وقد يجد قادة الولايات المتحدة في المستقبل صعوبة في التراجع عن جهود "ترامب" للحد من تعريف من يعتبر "لاجئا فلسطينيا"، وقد يجد البعض أيضا تعريف "ترامب" مفيدا، حيث لا يغطي جميع أبناء الفلسطينيين النازحين الأصليين، لأنه قد يخفف من المخاوف الإسرائيلية حول الموافقة على "حق عودة" واسع للاجئين الفلسطينيين.

 

وهناك اعتبار آخر، وهو الثمن السياسي الذي قد يدفعه رئيس الولايات المتحدة في المستقبل إذا أثار معركة مع حليف وثيق يتمتع بدعم قوي في الكونجرس.

 

صعوبات أمام الرؤساء المقبلين

 

ومن المؤكد أن ما فعله "ترامب" سيجعل من الصعب على رئيس المستقبل دعم المقترحات الأكثر إلحاحا للفلسطينيين.

وهناك سبب آخر لتقييد أيدي رؤساء أمريكا في المستقبل، حيث أشار القادة الإسرائيليون بالفعل إلى أنهم سينفذون أجزاء من خطة "ترامب" حتى بدون موافقة الفلسطينيين.

 

وتنص الخطة على سيطرة إسرائيلية على وادي نهر الأردن، والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتعهد "نتنياهو"، الثلاثاء الماضي، بأن تبدأ إسرائيل في "تطبيق قوانينها" على تلك المناطق، وهي خطوة قال النقاد إنها تعني ضما فعليا.

 

ومن خلال مقايضة الأراضي، يقول "ترامب" إنه سيمنح الفلسطينيين في نهاية المطاف ضعف مساحة الأرض التي يسيطرون عليها الآن بالفعل، لكن المنتقدين قالوا إن الأراضي التي سيحصل عليها الفلسطينيون في النهاية ليست مفيدة على الإطلاق.

 

ويقول "إيلان جولدنبرج"، المسؤول الأمريكي الديمقراطي السابق في ملف القضية الفلسطينية الإسرائيلية: "إن مناطق التبادل التي يقدمها ترامب للفلسطينيين هي عبارة عن مجموعة من الصحاري المنفصلة تماما عن بقية دولتهم، فيما تستولي إسرائيل على العقارات والمناطق الحضرية في وسط الضفة الغربية".

 

وكانت إدارة "باراك أوباما" قد اشتبكت مبكرا مع "نتنياهو"، بما في ذلك معركتها خلال العام الأول حول المستوطنات، وقد عبر فريق "أوباما" علانية عن قلقه من أن تصرفات إسرائيل تجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية في المستقبل، وطالبت "نتنياهو" بتجميد نمو المستوطنات لإغراء الجانب الفلسطيني للتفاوض.

 

لكن في العام الماضي، انقلبت إدارة "ترامب" على السياسة الأمريكية التي استمرت لعقود من الزمن، عندما قررت أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر مستوطنات إسرائيل في الضفة الغربية تنتهك القانون الدولي.

 

بشكل عام، صنع "ترامب" عربة وحصانا وطريقا جديدا سيكون من الصعب على خلفائه أن يحيدوا عنه، لاسيما أن إسرائيل لن تكون مستعدة للتراجع عن أي مكسب استراتيجي منحهم إياه "ترامب"، وسيقاتلون داخل الولايات المتحدة ومؤسساتها لمنع أي انسحاب إلى الخلف.

اعلان