كيف محت خطة ترامب للسلام حقوق الفلسطينيين؟ وكيف يواجهونها؟
بينما حاول الوسطاء الأمريكيون السابقون إرساء أساس للاتفاق عن طريق حل المواقف المتباينة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يبدو أن فريق الرئيس الحالي "دونالد ترامب" قرر ببساطة حل قضايا الوضع النهائي، وهي الحدود والأمن والقدس واللاجئين والاعتراف المتبادل، لصالح إسرائيل، بشكل كامل قبل بدء المفاوضات.
ما سبق كان ملخصا موجزا لفلسفة وأساس خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط، المعروفة باسم "صفقة القرن"، على لسان السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، "مارتن إندايك".
هذا السبب تحديدا يجعل ردود الأفعال الفلسطينية والعربية، حتى على ترددها، منها له وجاهته، بعيدا عن مسألة رفض الخطة من الأساس لأسباب أخرى.
لكن ذلك التوجه من "ترامب" قد يحتاج إلى نوع من التفصيل، كي يتبين فداحة الخطة الأمريكية وعدم مناسبتها لأن تكون واجهة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، فضلا عن أن تكون أساسا لهذا الأمر.
الحدود والأمن
على سبيل المثال، والكلام لـ"إندايك" ظل المفاوضون الأمريكيون دائما يولون اهتماما خاصا لتأمين الحدود بين الأردن ودولة فلسطينية مستقبلية، خشية أن تصبح هذه الحدود بوابة لجماعات مسلحة قد تعبر الضفة الغربية للوصول إلى إسرائيل.
وأثناء إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، تشاور فريق من خبراء الأمن الأمريكيين مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين حول وضع خطة يمكن من خلالها لقوات الأمن الفلسطينية السيطرة تدريجيا على الحدود.
ومن تلك الخطة، استعار فريق "ترامب" مفهوم وضع معايير أمنية لقياس التقدم الفلسطيني، ولكن طبقتها بدلا من ذلك على الأمن الداخلي داخل الدولة الفلسطينية المفترضة، حيث تكون إسرائيل هي الحاكم النهائي على الأداء الفلسطيني.
ويقول "إندايك" إنه جرى حل قضية أمن الحدود، من خلال إعطاء "وادي الأردن" بأكمله لإسرائيل، وتحيط خطة "ترامب" الدولة الفلسطينية المنتظرة بالأراضي الإسرائيلية، فتلغي جوارها مع الأردن، وتحول "أريحا" إلى جيب فلسطيني، والدولة الفلسطينية إلى عدة جيوب منفصلة.
السيادة على القدس
وبالمثل، كافح المفاوضون السابقون للتوفيق بين المطالب المتنافسة بالسيادة على القدس، وخاصة في المنطقة المقدسة التي تشمل المدينة القديمة والمقدسات المسيحية والإسلامية واليهودية فيها.
وفي الماضي، سعى المفاوضون إلى حل مسألة السيادة لصالح الحكم المشترك للمدينة القديمة.
وبدلا من ذلك، قام فريق "ترامب" بحل هذه المسألة عبر منح إسرائيل السيادة على كامل المنطقة للأبد، بما في ذلك الأحياء المسيحية والإسلامية والمسجد الأقصى.
وكتعويض عن نبذ مطالبهم بالسيادة على الحرم الشريف، وهو ثاني أقدس موقع في الإسلام، تعرض الخطة على الفلسطينيين مركزا سياحيا شمال القدس، والوصول الخاضع لسيطرة إسرائيل من هناك إلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة.
وهذا هو نوع العرض الذي رفضه "ياسر عرفات" في كامب ديفيد في يوليو عام 2000، وأبلغ الرئيس "بيل كلينتون" آنذاك بأنه إذا قبل ذلك، فلن ينتظر شعبه لقتله؛ بل إنه يفضل قتل نفسه عندئذ.
وتتجاهل خطة "ترامب" الصيغ الأخرى التي تم التفاوض بشأنها بشق الأنفس، لصالح تلك غير الواضحة وغير المتوازنة.
القدس الشرقية
ومنذ إدارة "كلينتون"، على سبيل المثال، كان الأساس لجميع المقترحات الأمريكية الخاصة بالقدس هو النص على أن الضواحي العربية في القدس الشرقية يجب أن تخضع للسيادة الفلسطينية، وأن تخضع الضواحي اليهودية للسيادة الإسرائيلية.
لكن خطة "ترامب" تضع كل الضواحي العربية في القدس الشرقية تقريبا تحت السيادة الإسرائيلية، تاركة للفلسطينيين ضاحية عربية واحدة، و مخيما للاجئين، على الجانب الشرقي من الجدار الذي تخلت عنه إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية. وعلى هذا الجزء من القدس الشرقية، يُقال للفلسطينيين الآن إن بإمكانهم بناء عاصمتهم، التي يفصلها الجدار عن كل من المسجد الأقصى و300 ألف فلسطيني من سكان القدس الشرقية.
وفيما يتعلق بالمستوطنات، فكر المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون في السابق في ضم إسرائيل الكتل الاستيطانية الرئيسية الواقعة على طول حدود عام 1967 بين إسرائيل والضفة الغربية، طالما يحصل الفلسطينيون على ما يعادل الأرض من إسرائيل كتعويض.
وبموجب هذا الترتيب، يتم استيعاب 85% من المستوطنين في نحو 3 إلى 5% من أراضي الضفة الغربية التي تحصل عليها إسرائيل، ويتم إخلاء المستوطنات النائية في قلب الضفة الغربية للسماح بدولة فلسطينية متجاورة.
ويؤكد "إندايك" أن الأسوأ من كل ما سبق، هو أن خطة "ترامب" تم تقديمها باعتبارها قرارا نهائيا، ويتحدث فريق "ترامب" كما لو أن كل شيء قد تم الاتفاق عليه بالفعل بين "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وكل ما تبقى هو متابعة ذلك من قبل فريق أمريكي إسرائيلي، (وليس فريقا إسرائيليا فلسطينيا)، لتحديد الخطوط الدقيقة لخريطة "ترامب" المحددة سلفا.
ماذا يجب على الفلسطينيين؟
من وجهة نظر "إندايك"، باعتباره دبلوماسيا مخضرما، يجب على القيادة الفلسطينية تجاوز خطة "ترامب" وإعلان استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 مارس المقبل.
ويجب أن تفعل ذلك على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي المتفق عليها مسبقا، التي تنص على حل الدولتين وتبادل الأرض مقابل السلام.