سامي عنان بديلًا

سامي عنان بديلًا

ثابت عيد

ثابت عيد

22 يناير 2018

إعلان ترشّح رئيس الأركان السّابق للرّئاسة قد يكون بادرة أمل لانتشال مصر من المستنقع الخطير الّذي سقطت فيه منذ انقلاب المؤسّسة العسكريّة على أوّل رئيس مدنيّ منتخب.
لم يحدث من قبل أنْ ظهرت مصر الّتي طالما وصفنّاها بالولّادة بهذا المظهر القبيح جدًّا مثلما حدث منذ الانقلاب  على الرّئيس مرسي.
الطّبقة الّتي اختطفت الحكمَ حسبت أنّ ترويع النّاس، وإرهاب العباد، هما خير وسيلة لفرض احترامها على الجميع في الدّاخل والخارج، لكنّها لم تحصد إلّا الاستنكار، والازدراء، والتّقزّز، والاحتقار.
وقد لمسنا لأوّل مرّة مدى الانحطاط والإسفاف والهمجيّة الّتي وصلت إليها طبقة محسوبة على المؤسّسة العسكريّة.
وعندما لا يلقى الشّعب من هذه الطّبقة إلّا القهر، والقمع، والافتخار بابتزاز القاسي والدّاني، والتّباهي بعمل تسجيلات سرّيّة لهذا الشّخص أو ذلك من أجل ابتزازه لاحقًا، فهذا لا يعني إلّا أنّنا وصلنا إلى أسفل وأدنى درجات الانحطاط والسّوقيّة.
خاصّة أنّ هذه الأفعال المشينة، الإجراميّة، لم يصبحها تحقيق أيّ إنجاز اقتصاديّ، أو سياسيّ، أو اجتماعيّ، يُذكر. فالاقتصاد في أسفل سافلين، والدّيون تراكمت بصورة مخيفة، والمصانع، إن وجدت، شبه متوقّفة، ورأس المال الّذي تعلّمنا أنّه جبان يفرّ من مصر يوميًا، والسّياحة شبه مشلولة، وسمعة مصر دوليّا في الحضيض، ومعظم المصريّين في الخارج يعارضون حكم العسكر ويحلمون برؤية بلادهم تُحكم بنظام ديمقراطيّ حديث.
الأوضاع إذن متأزمة، والأحوال مشلولة، والنّاس محبطة، وأهالي المعتقلين يتألمون، والمعتقلون أنفسهم يدفعون فاتورة الثّورة، والفقر ازدادت معدّلاته، والإملاق في تصاعد مخيف، والجميع ينتظر الخلاص والفرج، واليسر بعد العسر.
يقينًا كنّا نحلم بنجاح ثورة يناير ٢٠١١م، وبالتّحوّل الدّيمقراطيّ، وبالسّعي للحاق بحضارة العصر، لكنّ المؤسّسة العسكريّة الّتي كان من المفترض أن تدعم مطالب شعبها، وتحترم أحلامه، رضت  بعض قياداتها بالتّحوّل إلى معسكر الأعداء، وقرّرت مواجهة الشّعب بالرّصاص، والاعتقال، والإرهاب، والتّرويع، فأدخلتنا في نفق مظلم، لا نعرف متى سنخرج منه.
أوضاع مأساويّة، وأحوال دراميّة، وتحوّلات محزنة، وتطوّرات لم يتوقّعها لنا صديق ولا عدوّ. ومع ذلك فليس لنا إلّا التّمسّك بالأمل.
بخصوص ترشّح الفريق عنّان، فهو بلا شكّ الخيار الأفضل لمصر حاليًا، في ظلّ حالة القمع الّتي تعيشها مصر منذ الانقلاب .
لكن علينا ألّا ننسى هنا أنّ مصر تحلم بحكم مدنيّ، ديمقراطيّ، حديث، وتسعى إلى تداول سلميّ للسّلطة، وتريد تقاسم السّلطة وتوزيعها، بدلًا من تجميعها في يد رجل واحد، أو وزارة واحدة، لأنّنا شبعنا استبدادًا، وشبعنا قمعًا، وشبعنا تضليلًا.
شعبنا الطّيّب يحلم بإطلاق سراح جميع المعتقلين السّياسيّين، وبفتح صفحة جديدة.
ومع ذلك علينا أن نذكّر المؤسّسة العسكريّة أنّها مهما فعلت، فلن تكسب احترام الشّعب، إلّا عندما تحترم نفسها، وتحترم شعبها. والمقصود هنا هو أنّ وظيفة الجيش معروفة في جميع الدّول المتقدّمة، وفي كلّ الدّساتير الحديثة. ليس وظيفة الجيش تصنيع المكرونة، بل الدّفاع عن حدود مصر.
الدّولة الحديثة لا تسمح لأحد بتعدّي سلطاته. الجيش في ثكناته، والإعلاميّ في مؤسّسته، والشّرطيّ يطبق القانون، ولا يمارس البلطجة، والشّعب يعمل ليل نهار من أجل تعويض ما فاتنا، ومن أجل محاربة الفقر.
المؤسّسة العسكريّة إن شاءت أن تحترم نفسها، فعليها أن تجري مراجعات شاملة، لإصلاح نفسها بنفسها:
١- لا يليق بالمؤسّسة العسكريّة أن يكون لديها جنود من الأميّين، بل ينبغي أن تحرص على الارتقاء بنفسها، ولا تسمح إلّا بالمتعلمين فقط، لنيل شرف الدّفاع عن حدود مصر.
٢- المؤسّسة العسكريّة في مصر مطالبة باحترام حقوق الإنسان في تعاملها مع أفراد القوّات المسلّحة. فمن المعروف أنّ جيشا لا يحترم كرامة جنوده مستحيل أنّ يستحقّ احترام الآخرين.
٣-وقعت مجازر في حقّ الشّعب المصريّ، ونحن ننتظر من المؤسسة العسكرية  الحدّ الأدنى من الشّجاعة، لكي تقوم بمحاسبة نفسها بنفسها، وتعويض المتضرّرين، ومحاسبة المخطئين.
٤- المؤسّسة العسكريّة المصريّة خسرت أكثر حروبها مع إسرائيل تقريبًا، وهي مطالبة بمراجعة نفسها، وتقديم كشف حساب دقيق لما حدث، والسّعي لإصلاح ما وقعت فيه من أخطاء.
٥- القيادات العسكرية في مصر استخدمت الخدع العسكريّة، ليس لتضليل الأعداء، بل لتضليل الشّعب المصريّ، وهذا أيضًا سلوك مقزّز، لا ننتظره من مؤسّسة من المفترض أن تكون مصريّة وطنيّة تدافع عن شعبها، ولا تضلّله.
٦- المؤسّسة العسكريّة ارتكبت أخطاء قاتلة منذ انقلاب ١٩٥٢م وحتّى يومنا هذا. وهي مطالبة بعمل مراجعات وتصحيحات وإصلاحات، لأنّ المستقبل لا يحتمل تكرار هذه الأخطاء، أو التّمادي فيها.
٧- قادة المؤسّسة العسكريّة  قبلت بمرارة الهزيمة من إسرائيل، وقبلت بذلّ اتّفاقية كامب ديفيد. وسعت إلى غسل عقول الناس بأنّه ليس بالإمكان أحسن ممّا كان. لكنّ الشّعب المصريّ يرفض أن يظلّ مكبّلًا باتّفاقيّة كامب ديفيد إلى الأبد، ولا يقبل أن تفرض دولة أجنبيّة هيمنتها على مصر، ولا يتقبّل فكرة نزع سلاح شبه جزيرة سيناء إلى الأبد.
هناك أخطاء، وهناك عار، وهناك استسلام، وهناك انبطاح، وهناك رعونة، وهناك أخطاء لابدّ من تصحيحها عاجلًا أو آجلًا.
إذا اصطفّ المصريّون خلف الفريق عنّان، وإذا عقدوا معه حلفًا، ليحكم مصر في فترة انتقاليّة فقط، بهدف تخليص مصر من الكابوس الفظيع الّذي تعيشه منذ الانقلاب، بشرط أن تكون فترة حكمه انتقاليّة من أجل إعداد مصر للعودة إلى الدّيمقراطيّة، فسيكون هذا لا محالة أفضل ما نستطيع الوصول إليه في ظلّ الظّروف الحالية.
نريد مخلّصًا، ونريد شخصيّة توافقيّة، ونريد الخروج من عنق الزّجاجة، ونريد تجاوز هذه السّنوات العجاف، ونريد أن نتصالح مع أنفسنا، لكي نتصالح مع محيطنا، وعالمنا، وإنسانيّتنا. نريد أن نرى مصر متحضّرة، وحكومتها تعبّر عن أحلام شعبها، وشرطتها تحترم العباد، وجيشها ينصرف إلى عمله، ويدع المكرونة لأصحابها.
فهل يا تُرى سيتحقّق هذا الحلم، بعد طول انتظار؟ وهل سنرى قريبًا وعد اللّه يتحقّق: (إنّ بعد العسر يسرًا)، وكلام شاعرنا يصير واقعًا: «لابد لليل إن ينجلي)؟